حركات سلام جوبا والاستماتة في كعكة السلطة الفاسدة
كان اتفاق سلام جوبا 2020، الذي ضم الجبهة الثورية وعددًا من الحركات الملحقة بالاتفاق، ثمرة جهودٍ صحيحة مع قوى فاسدة سياسيًا. هذه القوى هي الحركات المكونة للجبهة الثورية التي آلت قيادتها إلى الهادي إدريس، المنشق عن فصيل عبد الواحد، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، الذي ضم فصائل من حركة العدل والمساواة التي تفككت بعد مقتل خليل، وفصائل من حركة تحرير السودان، بالإضافة إلى الثنائي المنشق عن الحركة الشعبية–شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وهما مالك عقار وياسر عرمان، اللذان انقسما لاحقًا على نفسيهما.
أما الطرف الأخير، فهو جبريل إبراهيم، الذي ورث حركة العدل والمساواة من شقيقه خليل إبراهيم. لاحقًا، تم إلحاق التحالف السوداني بقيادة خميس أبكر، مع 11 حركة، فضلاً عن حركة تمازج التي تضم 12 فصيلاً، بالإضافة إلى حركات وقّعت لاحقًا بقيادة علي شاكوش ومصطفى طمبور، وكلاهما انشقا عن حركة تحرير السودان – جناح عبد الواحد.
ومن المهم أيضًا ذكر حركات أخرى ضمن الجبهة الثورية، مثل تحالف مؤتمر البجا المعارض بقيادة أسامة سعيد، والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة بقيادة الأمين داؤود، الذي أقاله خالد شاويش بعد توقيع اتفاق جوبا، وهما يُمثّلان مسار الشرق. أما مسار الوسط، فقد انفرد به التوم هجو. ومثّل مسار الشمال حركة كوش بقيادة بنداق، التي انقسمت إلى فصيلين، إضافة إلى حركة محمد سيد أحمد الجاكومي. أما كردفان، فلم يكن لها تمثيلٌ في المسارات، في حين هيمن مالك عقار بالكامل على مسار النيل الأزرق.
هذه مقدمة موجزة عن القوى الموقعة على اتفاق جوبا. ومن العسير الخوض تفصيلًا في ما نُفّذ من بنود الاتفاق وما لم يُنفّذ، لكن من المهم الإشارة إلى نسبة الـ25% من السلطة الانتقالية في كل مستوياتها، التي نصّ عليها الاتفاق دون تحديد دقيق لمناصب هذه النسبة.
وقبل الحديث عن تركيز هذه القوى على بروتوكول قسمة الثروة والسلطة، لا بد من إلقاء نظرة على الطرف الحكومي الذي وقّع الاتفاق، ونواياه ومواقفه منه.
فمن جهة، مثّل الطرف العسكري:
- قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)
- القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان
ومن جهة أخرى، مثّل الطرف المدني:
- قوى الحرية والتغيير، وتشمل:
- حزب الأمة
- حزب المؤتمر السوداني
- التجمع الاتحادي
- حزب البعث
- تجمع المهنيين
- قوى مدنية أخرى صغيرة
بعد توقيع الوثيقة الدستورية، اشتد الضغط على قوات الدعم السريع، إذ رأت قوى سودانية ديمقراطية، وعلى رأسها الحزب الشيوعي، إضافة إلى قوى النظام السابق داخل الجيش أو القريبة منه اجتماعيًا وسياسيًا، أن وجود الدعم السريع يشكل تهديدًا لمشروعها. فالدعم السريع يمثل قوى اجتماعية ظلت مقصاة تاريخيًا. لذا، حرص على توقيع اتفاق سلام جوبا لسببين رئيسيين:
- إيقاف الحرب في دارفور، التي كان معنِيًّا بها ميدانيًا.
- البحث عن حلفاء لتوسيع كتلته السياسية في مواجهة خطاب قوى تطالب بحل قوات الدعم السريع و”عودة العسكر إلى الثكنات”.
لكن للأسف، القوى التي وُقّع معها اتفاق سلام جوبا لم تكن المعنية فعليًا بعملية السلام. فقد فشلت الحكومة الانتقالية، بقيادة عبد الله حمدوك، وبخاصة قائد الدعم السريع، في استقطاب الطرفين الأهم والأكثر تأثيرًا:
- الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو
- حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور
وهما الطرفان اللذان يمتلكان قاعدة جماهيرية حقيقية ومصلحة مباشرة في تغيير جذري.
بدلاً من ذلك، انصرفت قوى الحرية والتغيير إلى استرضاء حركات هشة، كانت لسنوات تمتهن الارتزاق في ليبيا، جنوب السودان، وتشاد.
اليوم، عاد الدعم السريع وحزب الأمة والحركة الشعبية إلى تحالف جديد يرسم خارطة سياسية للمستقبل. ومن المؤكد أن حركة عبد الواحد في طريقها للالتحاق بهذا التحالف التأسيسي. كما أن هناك قوى من شرق السودان بدأت في اللحاق، أبرزها حزب الأسود الحرة بقيادة مبروك مبارك سليم.
أما حركات سلام جوبا، سواء تلك التي انضمت إلى معسكر الحرب في بورتسودان، أو التي لحقت بالتحالف التأسيسي، فقد تشققت بعد اندلاع الحرب.
فمثلًا:
- انقسمت حركة العدل والمساواة بين جبريل إبراهيم وصندل
- وانقسم المجلس الانتقالي بين الهادي إدريس وصلاح رصاص
- وتفتت تجمع قوى تحرير السودان بين الطاهر حجر وعبد الله يحيى
- وانقسمت حركة تحرير السودان – مناوي بين مناوي وحسب النبي
- وغيرها من الحركات التي تتكاثر وتنقسم أميبيًا بطبيعتها، لأن تاريخها قائم على الانقسام والارتزاق من أجل البقاء.
ختامًا:
على التحالف التأسيسي ألا يثق في تلك الحركات التي أقصتها مجموعة بورتسودان، بل عليه أن يولي اهتمامه الحقيقي للقوى الجماهيرية والاجتماعية والسياسية صاحبة المبادئ والمصلحة والتأثير.
إن التضحيات التي قدّمها الشباب من أجل مستقبل مشرق لا تقبل المساومة من أولئك الذين يسجّلهم التاريخ ضمن قائمة الخيانة
إرسال التعليق