سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟!”الحرس الثوري”، هل مر من هنا، أم لا يزال؟!

بقلم : الجميل الفاضل

في بلاد اعتادت أن تطوي أسرارها بين كثبان الرمال، وتخبئ خفاياها في تجاويف الجبال، لا تمر الجيوش ولا تمرُّ الأفكار دون أن تترك ظلًّا، أو خيطًا، أو أثر.
هكذا السودان، كل شيء فيه قابل لأن يُطمس ويُعاد إحياؤه في اللحظة ذاتها.
في الشمال، حيث الجبال الحمراء تلفحها الرياح الصامتة، يُقال إن هناك مخازن سلاح موصدة على صمتٍ مريب، وفي الشرق، تلوح إشارات خافتة إلى صفقات سرّية، قد تكون سافرت في ليالٍ بلا قمر.
وبين هذا وذاك، يظهر ظلّ “الحرس الثوري الإيراني”، مرة كطيفٍ عبر سريعًا، ومرة كلاعب ظلّ يحرك الأحجار من وراء الستار.

فهل حقًا مرّ هو من هنا؟

هل بُصم على مسودات الصفقات، أم اكتفى فقط بإرسال الخبراء والتكنولوجيا والنوايا؟
وهل النفي المتكرر لوجوده هو برهان غيابه، أم مجرد غطاء شفاف لا يحجب رائحة باروده؟
وهل يصبح تصريح النفي أحيانًا أقوى من الاعتراف؟

نحن الآن أمام مشهد مائل بالظلال، نتابع فيه خيوطًا واهنة، تقارير غربية، وشكاوى إقليمية، ومنشورات غامضة على أطراف منصة “X”، وضجيج يسبق الهجمات.
وفي قلب كل هذا، سؤال واحد يرفض أن يموت:
هل مرّ الحرس الثوري من هنا… أم لا يزال؟

المشهد الأول:
ظل في الرمال

منذ سنوات بعيدة، حين كانت الخرطوم تمشي على حبل التوازن بين المحاور، لمح البعض ظلًا فارسيًّا يعبر إلى الصحراء.
تقارير استخباراتية غربية، منها ما نشرته “وول ستريت جورنال”، تحدثت عن طلب إيراني لإنشاء قاعدة على البحر الأحمر.
تسريبات صحفية سعودية قديمة، تحدثت عن شحنات ذات صبغة نووية مشبوهة.
في تلك الفجوة التي كانت فيها السلطة تراوغ الداخل والخارج، قيل إن الحرس الثوري مرّ من هنا، أو على الأقل، أنه بعث بأصابعه لتلمس الأرض وتُحفر الأسرار.

المشهد الثاني:
جبل قري، حيث تخبئ الجبال أسرارها

فوق صخور “جبل قري”، قرب الشلال، أنشودة الصمت أطول من الزمن.
تقرير غامض على منصة X، يشير إلى مجمعٍ تحت الأرض، يُعتقد أنه لتخزين صواريخ طورتها إيران في السودان.
لا صور واضحة، ولا تأكيدات رسمية، فقط خيوط غبار، تتقاطع فوقها الشكوك.
لكن إن كانت إيران قد صنعت الصواريخ هنا، فهل مرت أصابع الحرس الثوري على زر اطلاقها؟
أم أنه كان مجرد مُرسل للتكنولوجيا، لا مُمسكًا بها؟

المشهد الثالث:
مسيرات في السماء، ونفي على الأرض

في يونيو الحالي، تسربت أنباء عن موافقة مفترضة من البرهان لإيران، لتصنيع طائرات مسيرة وأسلحة في السودان.
بورتسودان نفت.
وبعد أيام فقط، نشرت صحف أن دولة صديقة حذرت من هجوم إماراتي محتمل على بورتسودان نفسها، يتذرع بوجود “الحرس الثوري” ليتلفح معطف اسرائيل.
لكن الزيف سبق الصاروخ هذه المرة أيضا.
فبين سطور النفي، بدا أن أحدًا كان يريد أن يُطفئ النار قبل أن يُشعلها بنفسه، أو ان يشتّت دخانها علي الأقل.

المشهد الرابع:
سؤال لم يُغلق بعد؟

لا دليل قاطع، لا صورة واضحة لضابطٍ إيراني في مطار وادي سيدنا، ولا شاحنة تم ضبطها وهي تحمل مكوّنات مشبوهة.
لكن كل شيء يوحي بأن الحرس الثوري لا يحتاج إلى حذاء ثقيل ليمر، ربما يكتفي بالظل.
وفي السودان، للظلال أرواح أحيانًا.
فإن لم يكن قد مرّ، فما الذي يستنفر هذا القدر من النفي قبل أن يرفع أصبع الإتهام؟

إذن، لا يزال السؤال معلّقًا في الهواء، لا كاتهام، ولا كتبرئة.
بل كهمسٍ في العتمة: هل مرّ الحرس الثوري من هنا، أم أنه لا يزال قابعا وراء صخرة أو تل لا يُرى؟.
السودان اليوم حقل أطلال وحروب وظلال، لا يَظهر فيه الضيف دائمًا بوجهه، ولا يمشي الغريب على قدميه.
في هذا المسرح المفتوح على الريبة، قد لا تنطق القرائن، لكنها تهمس.
وقد لا تُمسك الأصابع، لكنك ترى البصمة.
وقد لا تفضح الدلائل سرها، لكنها تأبى أن تُنسى.
وإلى أن يخرج الضوء من فم وثيقة، سيبقى هذا الملف مفتوحًا على كل الاحتمالات،
فالذي يمرّ من هنا، أحيانًا لا يغادر، لكنه ربما يختبيء كالنار في الشرر.

إرسال التعليق