حميدتي.. “مهدي السودان” الذي هدم دولة الطاغوت

بقلم : بشرى عبد الرحمن

اللحظة التاريخية هي سلسلة مترابطة من الأحداث، تتشكل في بعض محطاتها تناقضات مع الخلاصات النهائية. وهذه التناقضات هي ما يصنع حقيقة التغيير، ويجعل من مساره طريقًا واضحًا، يتناسب طرديًّا مع مستوى العزم على تحقيقه.

في نقطة أخرى، يمكن القول إن “علم النجاح” مرتبط بسلوكيات المجتمع ونظرته إلى الشخصية الناجحة. وهنا لا يمكن أن يتحقق توافق عام حول من هو الناجح، كما لا يمكن اختزال سلوكيات المجتمعات في سلوك فرد واحد.

يوم 24 ديسمبر كان لحظة تاريخية فارقة في تحول المشهد السوداني، وبداية لباب واسع من التغيير الجذري والحقيقي. لقد شكّل هذا اليوم انتصارًا لتطلعات الشعوب، رغم تقاطع النخب السياسية مع هذا التحول ومحاولتها ربطه بحملات الانتفاضات السابقة، في انعكاس واضح لعدم إدراكهم لعمق هذه الثورة التي تجسدت عبر شخصية محورية: محمد حمدان دقلو، والذي أثّر بوضوح في كل فئات المجتمع، خصوصًا تلك التي ظلت لعقود طويلة على هامش الدولة.

هذا اليوم مثل أول معول لهدم دولة ظلم امتدت لأكثر من سبعة عقود، بُنيت على استعداء الشعوب، والإقصاء الممنهج.

خطاب دقلو مثّل ضمانًا معنويًا قويًا لأولئك الذين عانوا من عنف الدولة، ليرفعوا أصواتهم عاليًا مطالبين بحقوقهم في الحياة الكريمة. والمتتبع لمسيرة حميدتي وقوات الدعم السريع منذ النشأة، يجد إشارات مبكرة إلى هذه الوجهة. أذكر هنا مقالًا نُشر في 2017 للسياسي الأستاذ حسين إسماعيل، الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، دعا فيه قوات الدعم السريع إلى تغيير نظام الحكم في السودان، مستندًا إلى شرعيتها القانونية، ومطالبًا بالمساهمة في التغيير لصالح الوطن.

كان ذلك النداء بداية سلسلة من الأحداث، انتهت بخطاب القائد في طيبة الحسناب، حيث دعا بوضوح إلى التغيير، وكان ذلك التفجير الأول الحقيقي لثورة ديسمبر.

لقد شكّل محمد حمدان دقلو حجر الزاوية في كل التحالفات الساعية إلى التغيير الجذري، فكان هو الضامن للثورة وبناء السلام، وكان دائمًا في الجانب الصحيح من التاريخ؛ ذلك التاريخ الذي سيُروى للأجيال القادمة.

وقد مثّلت الأطروحة الفلسفية للأستاذ أبكر آدم إسماعيل تصورًا مهمًا لشكل التغيير الممكن انطلاقًا من بنية النظام نفسه، لصالح الشعوب السودانية، وتحديدًا للوصول إلى “اللحظة التاريخية” من عمر الأنظمة.

هذا البدوي، القادم من خارج ذاكرة الدولة، يسرج خيول التغيير في عمق بنيتها، ساخرًا من نهج دام أكثر من سبعين عامًا من الظلم والتهميش. القطيعة مع دولة الإرهاب أتت بعد عقود من نضالات الشعوب في سبيل تحقيق دولة العدالة والحرية، وكان هذا البدوي يحمل شعلة التغيير والتحول الديمقراطي.

وبالدارجي نقول للنخب – كفارًا ومسلمين، كما وصفهم “الفلولي السجاد”: التغيير باقٍ ومستمر. فكلما زادت “المجمجة”، زاد عمق “الدج”.

وجد حميدتي عنوانًا ورمزًا للمستقبل.

وفي الآخر:

الثورة مستمرة.. وجغم بس.

إرسال التعليق