العقل في مواجهة الفكر الظلامي والفاشية الدينية
العقل في مواجهة الفكر الظلامي والفاشية الدينية
منذ قرون، قاد الفيلسوف ابن رشد وتلاميذه حركة تنويرية تدعو إلى تحرير العقل من سيطرة المتاجرين بالدين، الذين استخدموا الإيمان كأداة للهيمنة. لكن بينما تبنّت أوروبا هذه الأفكار وأطلقت عصر النهضة، تخلّف العالم الإسلامي في المقابل. واليوم، نعيش الصراع ذاته بأشكال جديدة: فريق يؤمن بالعقل والتقدّم، وآخر يستغلّ الدين لتحقيق مصالحه.
أدرك ابن رشد أن الاستبداد الديني كأي استبداد آخر، فقال: “كيف يأمرنا الله باستخدام العقل ثم يمنحنا شرائع تتعارض معه؟” هذه الفكرة، لو فُهمت كما ينبغي، لَما وقع المسلمون في فخ الفتاوى المتخلّفة. كما كشف كيف يسيطر المتاجرون بالدين على المجتمعات الجاهلة، وهو ما نراه اليوم في جماعات مثل السلفيين، والإخوان المسلمين، والمتطرفين شيعةً وسُنّةً، الذين يُحوّلون الدين إلى وسيلة للهيمنة بدلًا من سبيل للتحرّر.
عندما أحرق المتطرّفون كتب ابن رشد، ظنّوا أنهم قضوا على أفكاره. لكنها انتقلت إلى أوروبا، وأسهمت في بناء حضارتها، بينما غرقنا نحن في مستنقع التخلف. واليوم، أمامنا فرصة حقيقية لكسر هذه الحلقة المُفرغة من التطرف.
في عصر الصواريخ والذكاء الاصطناعي، ما زلنا نناقش قضايا عفا عليها الزمن، بينما تُجار الدين يعيشون في الماضي، والشعوب تدفع ثمن هذا التخلّف. التاريخ يعلّمنا أن الأفكار لا تموت، لكن الشعوب قد تموت إذا فضّلت الظلام على النور.
هذه المعركة ليست فكرية فحسب، بل وجودية. ولن ينهض العالم العربي – ومنه السودان – إلا بالتخلص من هذه الجماعات المتطرفة التي تقمع العقل وتحارب التقدّم. وكما سقطت الكنيسة المستبدّة في أوروبا، سيسقط هؤلاء، لأن التاريخ لا يرحم من يقف في وجه التغيير.
النصر سيكون في النهاية حليف العقل، لكن السؤال الأهم: كم جيلًا سنخسر قبل أن نستفيق؟
إرسال التعليق