الوعي النضالي في رحاب ثورة الاشاوس

حين أشعلت الحركة الإسلامية حربها في 15 أبريل، لم يكن لجنود الدعم السريع المنخرطين في صفوف المقاومة والتصدي للعدوان أهدافٌ ثورية واضحة. لقد خاض الأشاوس آنذاك المعركة بوصفهم جنودًا ينتمون إلى مؤسسة (RSF)، ولم تكن لديهم مشاريع سياسية تحررية مرتبطة بالشكل البنيوي للدولة، أو بالمظالم التاريخية والتهميش الذي عانى منه الهامش السوداني لعقود طويلة. لذلك، نجد أن تطوّر الوعي كان تدريجيًا، وتشكل في خضم المعاناة أثناء الحرب، وكان لانضمام الفصائل الثورية (مجلس الصحوة، شجعان كردفان، تمازج… إلخ) أثرٌ واضح في هذا التحوّل.

واليوم، نشهد تحولًا جذريًا في البنية الذهنية لهؤلاء الأشاوس؛ لقد بدأوا يدركون طبيعة الصراع الحقيقية، بوصفه أكبر من مجرد مواجهة عسكرية بين قوتين متحاربتين. ومعظمهم يرون اليوم أن ما يجري هو حرب تحرر وطنية ضد بنية الدولة المركزية التي قامت على استغلالهم وتوظيفهم تاريخيًا لضمان استمرار نخبها السلطوية في مركزية الحكم. فصار كثير منهم يدرك أن رفاقه وإخوته كانوا قديمًا وقودًا لحروب لم تكن حروبهم.

هذا التحوّل كان نتاجًا لتباين نوعي داخل صفوف الدعم السريع، تشكل من خليط من الجنود الذين يمثلون الأساس البنيوي للمؤسسة، ومن من حملوا السلاح بدوافع النضال الثوري دفاعًا عن حقوقهم التاريخية، ومن من انخرطوا بدافع شعورهم بالاستهداف المجتمعي الذي طال أهلهم، وكذلك من من رأوا في الحرب وسيلة لحماية المصالح الجماعية لمجتمعاتهم.

هذا التنوّع لا ينبغي النظر إليه من زاوية ضيقة بوصفه عامل تفكك، بل يجب اعتباره ثروة استراتيجية يجب توظيفها بذكاء. وهنا تبرز مسؤولية قيادة (RSF) في تحويل هذا التعدد إلى مشروع مشترك ومصير واحد. ويتم ذلك من خلال إشراك هؤلاء المقاتلين في صناعة القرار وتحديد المصير والمآلات، داخل المؤسسة، في زمن الحرب وما بعدها. مع العلم أن كل المقاتلين والفصائل الثورية، مهما تباينت خلفياتهم ودوافعهم، تجمعهم غاية كبرى متمثلة حاليًا في إزالة هذه الدولة الفاسدة، “دولة 56”، والتأسيس لسودان جديد.

إن عدم إشراك هؤلاء الأشاوس، بمختلف فصائلهم وانتماءاتهم، في مركز القرار ورسم المآلات، لا يُعدّ إلا انتهازية وتسلقًا على تضحياتٍ تساوى الجميع في تقديمها. ما أقصده أن مصير السودان ومصير (RSF) لا يجب أن يُهندس خلف الأبواب المغلقة، بعيدًا عن مشاركة هؤلاء الشباب، أو عبر تسويات فوقية دون أن يكون لهم كلمة. فحدوث ذلك يعني خيانة جوهر الثورة والنضال الذي لبّوا النداء من أجله.

إن الأشاوس، بدمائهم وتضحياتهم، لم يفتحوا الطريق لتدوير الامتيازات القديمة بثياب جديدة، وبالتالي، فإن مشاركتهم الفعلية في القرار السياسي والمؤسسي ليست منّة ولا مكافأة، وإنما هي حق أخلاقي.

إرسال التعليق