جيميس ولِسون : سقوط الفاشر: الدعم السريع يستعيد زمام المبادرة بينما الجيش السوداني يزوّر الواقع
أثارت مشاهد سقوط مدينة الفاشر قبل أسبوعين، والتي بدت للوهلة الأولى صادمة ومؤلمة، موجة من التساؤلات حول دور القوات المسلحة السودانية ومسؤوليتها عما جرى، وسط تقارير تتحدث عن تلاعب في بعض الصور التي انتشرت فوراً في وسائل الإعلام الدولية ووُصفت لاحقاً من قبل وكالات أوروبية بارزة بأنها مزيفة.
وأشارت تحليلات صحفية إلى أن قوات الدعم السريع استخدمت في معركتها للسيطرة على المدينة تكتيكات مشابهة لتكتيكات يوليوس قيصر في معركة “أليسيا” عام 52 قبل الميلاد، حيث حاصر المدينة بسورين ضخمين لعزلها وإسقاطها. فقد شيدت قوات الدعم السريع سواتر ترابية هائلة حول الفاشر، لتفرض حصاراً امتد لأكثر من عام ونصف، إلى أن سقطت المدينة في أواخر أكتوبر الماضي.
ونقلت صحيفة لوموند الفرنسية عن دبلوماسي غربي قوله: “مأساة الفاشر لم تكن مفاجئة، كنا نعلم منذ وقت طويل أنها ستحدث.”
وبحسب تقارير ميدانية، فقد شهدت المدينة معارك عنيفة بدأت منذ 15 أبريل 2023، تخللتها هدن إنسانية قصيرة سمحت بفتح بعض المستشفيات، لكن الأوضاع تدهورت سريعاً مع تصاعد التضخم والنهب وانعدام الإمدادات. وفي مايو من العام نفسه، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على قطاعات حيوية داخل المدينة، لتُطبق الحصار الكامل بحلول مطلع 2024، وسط انهيار تدريجي للقوات المسلحة السودانية نتيجة الاستنزاف والانقسامات وغياب الإمداد والدعم الدولي، ما أدى في النهاية إلى انسحابها الكامل في 26 أكتوبر 2025.
ووصف الباحث برافين أوندِتِي من معهد القرن الإفريقي للدراسات الاستراتيجية سقوط الفاشر بأنه هزيمة عسكرية كارثية للجيش السوداني، موضحاً أن المدينة كانت تمثل “العصب المركزي لإقليم دارفور، ورمزاً سياسياً وتاريخياً، ومقراً لحكومة الإقليم وقوات الأمن المشتركة المنبثقة عن اتفاق جوبا للسلام لعام 2020.” وأضاف أن خسارتها “أنهت فعلياً وجود الحركات الموقعة على اتفاق جوبا كقوة ميدانية مؤثرة، وأفقدت الجيش آخر معاقله في الإقليم، مانحة الدعم السريع سيطرة عسكرية شبه كاملة على ولايات دارفور الخمس.”
من جانبه، اعتبر كاميرون هدسون من مؤسسة السلام العالمية أن ما حدث في الفاشر يمثل تحولاً استراتيجياً في خريطة الصراع السوداني، موضحاً أن “الجيش السوداني أحكم سيطرته على الخرطوم، فيما أحكمت قوات الدعم السريع سيطرتها على معظم الأراضي غرب النيل، ولم يتبق سوى مدينة كُردفان التي باتت مطوقة ومهددة بالمصير ذاته.”
وختم هدسون بالقول إنّ السودان يشهد الآن تقسيماً فعلياً إلى شطرين، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستكشف ما إذا كانت الأطراف مستعدة للتفاوض على أساس هذا الواقع نحو تسوية سياسية أو صيغة فيدرالية جديدة للدولة


إرسال التعليق