عزيز الدودو يكتب : حميدتي : القائد الملهم - صوت الوحدة

عزيز الدودو يكتب : حميدتي : القائد الملهم

إنَّ تفحص تاريخنا القومي السوداني يكشف عن حقيقة مؤلمة: فشلنا في إنجاب “القائد الملهم” منذ أن سقطت دولة كوش العظيمة حتى يومنا هذا. لقد كانت تلك الآلاف من السنين رحلة عبر التشرذم والانقسام، حيث تحولت الهزيمة الحضارية الأولى – بسقوط كوش على يد الأحباش والرومان وتبعها فرض الديانة المسيحية على مجتمع وثني – إلى بداية موجة من التكتلات القبلية والمناطقية.
لم يتحسن الحال في العصور اللاحقة؛ ففي عهد الغزو العثماني، والذي يصفه البعض بـ “الوحشية المفرطة” التي مارسها “المغول الآسيويون”، ساء الوضع إلى حد لم يعد معه سكان وسط السودان قادرين على تحمل الظلم، ففروا إلى الملاذات هرباً من القتل والاستعباد.
لقد تراكمت هذه العوامل لتشكل واقعنا المأزوم الحالي: مجتمع متعدد اللغات، متنوع القبائل، ومتباين الأديان والثقافات. وعلى مدى أكثر من ألفي عام، لم يظهر قائد سوداني قادر على صهر هذا التنوع في بوتقة أمة موحدة تحت راية واحدة ولغة مشتركة.
هنا يبرز التناقض التاريخي: لم يأتِ التأسيس الحقيقي للكيان الجغرافي الذي نعرفه اليوم باسم “السودان” إلا على يد غازٍ أجنبي. فـ محمد علي باشا، ورغم كراهيتنا له، لعب دوراً محورياً قبل قرنين في وضع اللبنة الأولى للدولة الحديثة. أما الجهود الوطنية، كجهود الإمام محمد أحمد المهدي، ورغم عظمتها، فقد سقطت في فخ التأسيس على خلفية دينية ضيقة، الأمر الذي حال دون بناء دولة قومية واسعة في مجتمع متنوع الأديان والثقافات.

اليوم، وفي خضم هذا الواقع التاريخي المليء بالفشل والعصبيات القبلية والدينية والجهوية، يبرز اسم حميدتي كـ “قائد مؤسس” قد نكون انتظرناه طوال هذه القرون. قد يثير هذا الطرح استهزاء البعض، لكنني لا أُبالي بآراء من يرفضون مواجهة حقيقة أننا أمة فاشلة أهدرت فرصها.
نحن بحاجة ماسة إلى قوة دافعة، إلى قائد عظيم يملك الجرأة على تغيير معادلة السلطة القديمة، ليصنع لنا تاريخاً جديداً وأمة موحدة. لقد أصبحنا أمة بلا هوية واضحة، ولا نتمتع بوجدان وطني مشترك، بل وصل الأمر بنا إلى أن يتهم كل فرد منا الآخر بعدم الانتماء للوطن ذاته!
إن هذا الاحتياج العميق إلى التوحيد والهوية قد يفسر لماذا يتجه البعض إلى رؤية “حميدتي” كشخصية قادرة على تجاوز الانقسامات التقليدية، وربما إحداث التغيير الجذري الذي فشلت النخب التقليدية في تحقيقه طوال قرون. هل يمثل هذا القائد المنتظر فعلاً نقطة تحول في تاريخنا الطويل من التشرذم؟ إننا ننتظر قائداً يخلصنا من واقعنا المأزوم ويؤسس لعهد قومي جديد.

إرسال التعليق

لقد فاتك