عمار سعيد يكتب : هدنة الثلاثة أشهر.. هل ستكون مكسب استراتيجي لتحالف تأسيس وخطوة على طريق السلام الحقيقي
تشكل الهدنة المعلنة لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع، في ظل اقتراب إعلان تحرير مدينة الفاشر من قبل قوات تحالف تأسيس للسلام والوحدة، تطورًا بالغ الأهمية في مسار الصراع السوداني الراهن، ومؤشرًا على تحوّل ميداني وسياسي يعيد رسم موازين القوى، ويمنح الأمل بإمكانية الانتقال من منطق الحرب إلى منطق السلام والبناء.
هذه الهدنة لا تأتي بمعزل عن السياق العام، بل تمثل ثمرة لتحولات متراكمة، أبرزها تقدّم قوات تحالف تأسيس في أكثر من محور، وتمكّنها من فرض واقع جديد على الأرض أجبر الأطراف الدولية والإقليمية على إعادة حساباتها تجاه الأزمة السودانية.
بورتسودان.. حكومة تعدد المراكز والقرارات المتناقضة
من الملاحظ أن سلطة الانقلاب في بورتسودان دأبت خلال الشهور الماضية على نفي أي اتصالات أو مباحثات خارجية، خاصة تلك التي تتعلق بالملف الأمريكي أو الجهود الدولية لوقف الحرب.
لكن الواقع أثبت في أكثر من مناسبة أن هذا الخطاب الدعائي الموجه للاستهلاك الإعلامي المحلي لم يكن سوى محاولة لتضليل الرأي العام وطمس الحقائق.
- النفي ثم الإقرار المتأخر (حالة جنيف 2024):
 
في منتصف عام 2024، نفت بورتسودان بشدة وجود أي مفاوضات في جنيف بين ممثلين للجيش وجهات دولية، قبل أن تتسرب وثائق تثبت وجود وفد رسمي شارك بالفعل في مشاورات غير معلنة، ما كشف عن ازدواجية القرار داخل المؤسسة الانقلابية.
- لقاءات نيروبي السرية (أواخر 2024):
 
حينما تداولت وسائل إعلام عن لقاءات تمت بين وفود من بورتسودان وشخصيات من المعارضة المدنية في نيروبي، خرجت أجهزة السلطة لتكذّب الخبر جملة وتفصيلًا. وبعد أسابيع فقط، أكدت مصادر دبلوماسية إفريقية صحة اللقاءات، وأُعلن لاحقًا عن نتائجها، ما فضح كذب التصريحات الرسمية.
- الآن.. النفي المتكرر بشأن مباحثات واشنطن (أكتوبر 2025):
 
تكرر المشهد ذاته مجددًا مع نفي مغلظ من مؤسسات السلطة في بورتسودان لوجود أي محادثات أو وساطات في واشنطن، رغم أن المؤشرات والدلائل تشير بوضوح إلى وجود قنوات خلفية نشطة مع دوائر غربية تبحث في ترتيبات وقف النار وإيصال المساعدات الإنسانية.
تكرار هذا النمط من الإنكار ثم الانكشاف يؤكد أن السلطة الانقلابية لم تعد تمتلك قرارًا موحدًا، بل تحولت إلى تجمع لمراكز نفوذ متصارعة، تعمل كل منها وفق مصالحها الخاصة، بعيدًا عن مصلحة الوطن والشعب.
تحالف تأسيس.. الموقف الواضح والرؤية الوطنية
في مقابل هذا التناقض والتخبط، يبرز موقف تحالف تأسيس للسلام والوحدة كصوت عقلاني متزن، لا يرفض المبادرات الدولية، بل يدعم كل جهد صادق يهدف إلى وقف الحرب وتسهيل الوصول الإنساني للمتضررين.
وقد أكدت قيادة التحالف مرارًا أن السلام هو خيار استراتيجي وليس تكتيكًا، وأن أي تفاوض أو هدنة لا تُبنى على الخداع أو الإقصاء يمكن أن تشكّل مدخلًا حقيقيًا لبناء دولة السلام والحرية.
الفاشر.. بوابة العودة للخرطوم والتحول الميداني والسياسي
التحركات الأخيرة لقوات تحالف تأسيس نحو تحرير مدينة الفاشر تُعدّ حدثًا مفصليًا في الحرب الدائرة. فالفاشر ليست مجرد مدينة استراتيجية، بل معبر للعودة للخرطوم عبر بوابة الشمال ، والسيطرة عليها تمثل تحولًا نوعيًا في ميزان القوى، قد يفرض على قادة الجيش امراً واقعا جديدا وتفككا لبيته المليشياوية كما ان المجتمع الدولي سيقوم بإعادة تقييم تعامله مع الأطراف.
وبينما تحاول بورتسودان عبر إعلامها الرسمي التقليل من أهمية هذه الانتصارات، فإن الواقع على الأرض يقول شيئًا آخر: أن هناك قوة جديدة تنبثق من رحم المعاناة، تسعى لبناء نظام جديد يقوم على العدالة والوحدة لا على الإقصاء والاستبداد.
لقد أثبتت التجربة أن الخطاب الرسمي الصادر من بورتسودان فقد مصداقيته تمامًا، بعد أن تكررت الأكاذيب وتناقضت التصريحات.
أما تحالف تأسيس للسلام والوحدة، فقد قدّم رؤية وطنية تقوم على السلام، العدالة، والمشاركة الواسعة، مع رفض استمرار الحرب بوصفها مشروعًا لتصفية الحسابات السياسية على حساب معاناة الشعب السوداني.
إن هدنة الثلاثة أشهر ليست مجرد توقف مؤقت لإطلاق النار، بل فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة وفتح الطريق نحو تسوية شاملة يقودها من يمتلك الإرادة والصدق، لا من غرق في مستنقع الأكاذيب والتضليل.
								

                                    
                                    
                                    
                                    
                                    
                                    
                                    
                                    
                                    
إرسال التعليق