عبد الحفيظ الإمام قسوم : هندسة الفوضى في السودان‏‏ - صوت الوحدة

عبد الحفيظ الإمام قسوم : هندسة الفوضى في السودان‏‏

من يتابع المشهد السوداني منذ سنوات، وبخاصة منذ اندلاع الحرب الراهنة، يدرك أن كثيرًا من الأحداث التي تقع يوميًا ليست عفوية كما تبدو، بل تُدار خلف الكواليس بأيدٍ خبيرة في صناعة الفوضى والتحكم في المزاج العام. فالأجهزة الأمنية والاستخبارات العسكرية لطالما استخدمت أدوات “إدارة الأزمة” كوسيلة لبناء بيئة مناسبة لتحقيق أهداف الحركة الإسلامية، وإعادة إنتاج نفوذها في الدولة والمجتمع.‏‏

لقد رأينا هذه الأساليب من قبل:‏في هبّة سبتمبر 2013، حين جرى إشعال النيران في البنوك والمؤسسات لتبرير القمع الدموي؛‏وفي ثورة ديسمبر 2018، عندما تم إنشاء مجموعات داخل الحراك مثل “غاضبون” لتشويه صورة الثورة وإظهارها كحركة عنف لا مسؤول؛‏ثم في حادثة “كولومبيا” التي صُنعت فيها بيئة انفلات مدروسة لتبرير جريمة فض الاعتصام وإلصاقها بالثوار.‏‏

واليوم، في ظل الحرب، تتكرر ذات الأنماط بطرق جديدة:‏

عمليات نهب، تجاوزات، واغتيالات تُنسب للقوات للمشتركة دون غيرها من القوات التي في ميدان الحرب ، بينما الغرض الحقيقي هو تشويه صورة القوات المشتركة في أعين المواطنين وخلق كراهية تجاهها تمهيدًا لتفكيكها أو إعادة ترتيب المشهد الأمني بما يخدم أهدافًا خفية.‏‏

ما حدث اليوم في سوق عطبرة مثال واضح على ذلك؛ إذ خرجت مخاطبة تُنسب إلى المواطنين تقول:‏‏”نحن في عطبرة ما عاوزين غير الجيش أو الشرطة “‏‏‏

لكن السؤال المنطقي:‏

كيف لمواطنين أن يخرجوا بمثل هذا المطلب تجاه قوة نظامية تعمل أصلاً مع الجيش، إن لم يكن هناك من يقف خلف الحدث ويوجه الرسائل بعناية؟‏

وهل يستطيع ذات المواطن إن تُرك ليعبّر بحرية أن يقول لا للحرب، نعم للسلام؟‏‏

إن الأحداث المتفرقة التي نشاهدها يوميًا من تجاوزات ونهب وقتل، ومن ثمّ إرجاعها للقوات المشتركة فقط، ما هي إلا عمليات مصنوعة وموجهة الغرض منها الضغط على القوات المشتركة وتكريه المواطنين فيها، تمهيدًا لحدث أكبر أو لتغيير في موازين القوى داخل الميدان.

‏‏إننا أمام مرحلة جديدة من صناعة الوعي الموجَّه، حيث تُدار المشاعر الوطنية بعقلية استخباراتية لتوجيه الرأي العام نحو خيارات محددة، تُهيئ لاحقًا لقبول سيناريوهات قديمة بوجوه جديدة.

‏‏ختامًا:-‏

ما يجري في السودان اليوم ليس مجرد فوضى أمنية؛ إنه مشروع هندسة سياسية وأمنية تُستخدم فيه أدوات الحرب والإعلام والاختراق المجتمعي لتشويه المفاهيم وتبديل الأولويات.‏وما لم يدرك المواطنون هذه الحقيقة، سيجدون أنفسهم مرة أخرى وقودًا لمعارك لا تمثلهم، وشهودًا على إعادة تدوير ذات المشروع الذي ثاروا عليه ذات يوم.

إرسال التعليق

لقد فاتك