عبد الحفيظ مريود يكتب : بدون زعل الجيش الذى يصرفُ من خزينتنا العامّة:كيف يفكّرُ .. ماذا يريد؟ - صوت الوحدة

عبد الحفيظ مريود يكتب : بدون زعل الجيش الذى يصرفُ من خزينتنا العامّة:كيف يفكّرُ .. ماذا يريد؟

فى نهاية عام 2020م، قرّرتِ الاستخباراتُ العسكريّة أنَّ هناك فصائل دارفوريّة لم تشملها مفاوضاتُ جوبا. لذلك عمدتْ إلى تنظيم مفاوضات تضمنُ حقوقها. قامتْ بدعوة ثلاثة فصائل من مجلس الصّحوة الثّورىّ، الذى أسّسه الشّيخ موسى هلال، زعيم المحاميد، وكان يرأسه، إلى ما تمّتْ تسميّته ب “منبر نيامى”، فى النيجر. كان الهدفُ الظّاهرىّ هو رفع الغبن الذى لحق بالمحاميد. وإتاحة الفرصة لهم لمحوِّ العار الذى لحق بهم، جرّاء الاعتقال المذّل للشيخ، فى دامرة “مستريحة”، عاصمته، وترحيله إلى الخرطوم، أخريات حكم البشير.
لكنَّ الهدفَ الخفىّ كان احتواء المحاميد، تسليحهم، تدريبهم، حقنهم بأمصال من الحقد والرّغبة فى الانتقام، بتصوير أنَّ مَنْ فعل ذلك هم الماهريّة، بقيادة آل دقلو. وبعدَ ما يزيدُ عن الشّهر من مفاوضات منبر نيامى، انتبهَ شبابٌ من أبناء المحاميد إلى أنَّ ثمّة فخّاً ومكيدةً تسوقهم إليها الاستخباراتُ العسكريّة، والسيّد صبير، تحديداً، الذى كان يتولّى الإشراف على المنبر. فقد لاحظوا غياب ممثلين للدّعم السّريع، الذى يُعتبرُ شريكاً ضمن “المكوّن العسكرىّ”، بعد الثّورة، والذى كان قائدُه من يقودُ المفاوضات مع الحرّية والتغيير، حتّى إنجاز الاتّفاق، وكان يقودُ تفاوض جوبا نفسه. قامتِ الفصائل باستفسار الدّعم السّريع. تمّتْ “معالجة الخلل” – كما يقولُ الإنقاذيّون – بإضافة شخصين ممثلين للدّعم السّريع، أحدُهما العميد عمر حمدان، الذى قاد وفد التفاوض بعد الحرب.
شايف كيف؟
يبدو أنَّ الطّبخة قد فسدتْ.
لم تستطِع الاستخبارات أنْ تكملَ مشروعها. فقد ثبتَ أنْ ليس هناك ما يستدعى إفراد منبر تفاوضىّ يخصُّ المحاميد. حتّى ولو كان التنسيقُ عالياً مع الشّيخ موسى هلال، الذى كان لا يزال حبيساً. انفضَّ سامرُ منبر نيامى، فى بدايات 2021م، دون أنْ يتمكّنَ من تبيانِ وجه الضّرر اللاحق بالمحاميد جرّاء عزلهم من سلام جوبا. ذلك أنَّ مجلس الصّحوة لم يكنْ حركةً مسلّحةً تحملُ السّلاح فى وجه الحكومة. كان للشّيخ موسى هلال خلافات “داخليّة”، غادر على أثرها الخرطوم مغاضباً، وأدلى بتصريحاتٍ لم ترُقْ للمؤتمر الوطنىّ. فلماذا يدخلُ مفاوضات جوبا؟
لكنَّ الاستخبارات العسكريّة لم تقنع من إمكانيّة أنْ يلعبَ المحاميدُ دوراً جديداً فى مباريات الصّراع الدّموىّ الذى تديرُه الاستخبارات وجهاز الأمن فى دارفور. العرب، عموماً، ضدَّ الزّغاوة والفور. المساليت ضدَّ العرب. العرب ضدَّ العرب. نزولاً إلى بطون وأفخاذ القبيلة الواحدة. إذا كان ثمّة ما جعل الماهريّة على رأس جيش رعته ودرّبته الدّولة تحت عباءة جهاز الأمن، الاستخبارات، الجيش، فإنَّ تفكيكه ينبغى أنْ يأخذ عنصر الغبينة من الفرع الآخر من القبيلة، المحاميد.
شايف كيف؟
اقتضتِ الخطّة التّالية العمل على تجنيد 5 آلاف شاب من المحاميد وتوزيعهم على رئاسات الفرق فى ولايات دارفور الخمس. ثمَّ تجنيد 3 آلاف من شباب الحوازمة، الكبابيش، المسيريّة فى رئاسات فرق كردفان. بدأ تنفيذها ب 200 مقاتل.
تُشيرُ خبرة الاستخبارت وجهاز الأمن إلى حتميّة نجاح ذلك. فى حرب جنوب السُّودان الطّويلة، كان يجرى تأليبُ النوير ضدّ الدينكا، المندارى ضدّ الدينكا، الشّلك ضدّ الدينكا، على أرضيّة ثابتة هى أنَّ الحركة الشّعبيّة هى حركة قبيلة الدّينكا، فقط. وقد ابتلعَ الكثيرون الطّعم. وصلتْ خبرةُ الاستخبارت أنْ تؤلّب النّوير ضدّ النّوير، كما حدث فى حالة فاولينو ماتيب ضدّ د. رياك مشار. نجح ذلك – أيضاً – فى جبال النّوبة: قوّات كافى طيّارة ضدَّ الحركة الشّعبيّة، على أساس أنَّ قبائل “شات” التى ينتمى إليها طيّارة، فى الأصل داجو، وليسوا نوبة. استمراراً لسياسة مكمايكل فى تحويل القبيلة من “هويّة ثقافيّة”، إلى “هويّة سياسيّة”، كما لاحظ محمود ممدانىّ.
وبالعمل الدؤوب مع المساليت ضدَّ العرب فى غرب دارفور، حين تحينُ ساعةُ الصّفر، سيجدُ الدّعم السّريع مقاتله ومصارعه على أيدى القريبين منه، قبل أنْ تتسخ يدا الجيش المركزىّ بمعارك كبيرة معه. لكنَّ ذكاء المحاميد أفشل مخطّط الاستخبارات العسكريّة، مع أنَّ جشع الشّيخ موسى هلال يتركُ لها – الاستخبارات – باباً للأمل، ويصوّرُ لها بأنَّ هناك قوّاتٍ ضخمة ستشنُّ هجومها على الدّعّامة، متى سنحتِ الفرصة، ترفع حصار الفاشر، تستعيدُ بقية أرض دارفور، وتحمل السّلطان سعد بحر الدّين محمولاً على الأكتاف إلى الجنينة.
شايف كيف؟
فى أوبةٍ لم تحسبِ الاستخباراتُ العسكريّة حسابها، عادتِ القبيلةُ فى دارفور وكردفان لطبيعتها. هويّة ثقافيّة، يصعبُ التعاملُ معها على أساس تحويرات الإدارة البريطانيّة على يدىْ مكمايكل. فقد باءتْ محاولات الفريق مفضَّل، مدير جهاز المخابرات فى استمالة البنى هلبة – قبيلته – للقتال إلى جانب الجيش فى دارفور، على الرّغم اللقاءات العديدة والجهود الجبّارة التى بذلها إنطلاقاً من إفريقيا الوسطى. تنزعُ ميكانيزمات الهويّة الثقافيّة للتعامل على أسسٍ جامعة. تسيطرُ منظومةُ الأعراف والأخلاق على الوعىّ الجمعىّ. السّعىّ لتصفية الماهريّة عبر المحاميد، بالنّسبة للمحاميد هو – فى نّهاية الشّوط – تصفيةٌ لهم. حتّى وإنْ تزيّا بثيابِ الوطنيّة الخادعة. تنجحُ خبراتُ الاستخبارات العسكريّة فى إثارة غبن الزّغاوة، مثلاً، جزئيّاً، والمساليت. لكنَّ النتائجَ كارثيّة على مجتمعاتهم. سيتطلّبُ الوضع – ربّما نصف قرنٍ – لتتمكّنَ هذه المجموعات من الإفلات من تحويرات مكمايكل، التى انبنتْ عليها نظريات دولة ما بعد الاستعمار فى إدارة التنوّع والاختلاف، ومن ثمَّ العودةُ إلى “الهويّة الثّقافيّة”.
حسناً…
هل ينجحُ الشّيخ موسى هلال، فى استمالة المحاميد، وهو زعيمهم؟ فضلاً عن استمالة بطنىْ الرّزيقات الآخريْن، الماهريّة والنّوايبَة؟ قبل أنْ تنجح خطط الاستخبارات وجهاز الأمن، و”تمويلها” فى إعادة موسى هلال زعيماً تلتفُّ حوله القبائل المتحدّرة من أصول عربيّة فى كردفان ودارفور؟
ذلك هو تحدّى ما قبل تحرير الفاشر.
شايف كيف؟

إرسال التعليق

لقد فاتك