كاربينو يكتب : إيران والسودان من تدريب كتائب الحركة الإسلامية إلى التدخل المباشر في معركة كازقيل
يشكل التدخل الإيراني في الحرب الدائرة في السودان أحد أبرز أبعاد التشابك الإقليمي الذي يعمّق الأزمة الداخلية ويحولها إلى ساحة صراع بالوكالة ، فالمتابع لمسار الأحداث يلحظ أن طهران لم تكتفي بإعلان موقف سياسي داعم للحركة الإسلامية السودانية بقيادة علي كرتي ، بل انخرطت بشكل مباشر في توفير الدعم العسكري واللوجستي بما في ذلك تسليح مليشيات متطرفة وفتح معسكراتها لتدريب كتائب الحركة الإسلامية ، هذا التدخل يثير أسئلة جوهرية حول طبيعة الدور الإيراني وأهدافه الاستراتيجية وانعكاساته على مستقبل الصراع في السودان.
من المهم الإشارة إلى أن العلاقة بين الإسلامويين السودانيين وإيران ليست علاقة طارئة وإنما تمتد جذورها إلى تسعينيات القرن الماضي ، حين سمح نظام الإنقاذ بوجود شبكات للحرس الثوري الإيراني في الخرطوم ، استخدمت البلاد حينها كمنصة لتمرير الأسلحة وتمويل الحركات المتطرفة في إفريقيا والشرق الأوسط ، وبالتالي فإن ما نشهده اليوم ليس سوى إعادة إنتاج لذلك الارتباط التاريخي ، في ظل محاولات إيرانية متجددة لاستعادة نفوذها في فضاء البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
الدلائل الميدانية تكشف أن الحرس الثوري الإيراني تجاوز حدود الدعم غير المباشر ، إذ تم رصد ضباط إيرانيين يشاركون في العمليات العسكرية إلى جانب جيش علي كرتي ، وقد أكد مقتل عدد منهم في معركة كازقيل صحة هذا التورط المباشر ، مما يضع إيران في قلب معادلة الحرب السودانية ، هذا الوجود يعكس رهاناً استراتيجياً لطهران على إعادة تموضعها في الإقليم عبر السودان ، بما يوفر لها منفذاً جيوسياسياً حساساً ، ويمنح وكلاءها الإسلامويين المحليين سنداً عسكرياً ومعنوياً.
غير أن هذا التدخل يطرح تحديات عميقة للسودان إذ يعيد تشكيل الحرب الداخلية في صورة نزاع إقليمي موسع ، ويحول السودان إلى ساحة لتصفية حسابات بين قوى خارجية متنافسة، الأخطر من ذلك أن الدعم الإيراني لا يرتبط بأي مشروع تنموي أو مصلحة مباشرة للشعب السوداني ، بل يقوم على توظيف المليشيات كأدوات لإطالة أمد الصراع ، وهو ما يهدد بتقويض فرص التسوية السياسية وزيادة معاناة المدنيين.
إن انخراط إيران في الحرب السودانية لا يمكن فصله عن التوازنات الدولية المحيطة بالمنطقة فبينما تسعى طهران لتثبيت موطئ قدم جديد يتيح لها الوصول إلى البحر الأحمر ، فإن قوى إقليمية أخرى تنظر إلى هذا التمدد باعتباره تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية ، خصوصاً في ظل التنافس على طرق التجارة العالمية وممرات الطاقة ، ومن ثم فإن استمرار التدخل الإيراني قد يدفع السودان إلى قلب صراع جيوسياسي أكبر ، يتجاوز أطرافه المحليين ويستدعي انخراط قوى كبرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين ، الأمر الذي يضاعف من خطورة الأزمة ويقلص من فرص الحلول الداخلية المستقلة.
تأتي معركة كازقيل كحدث مفصلي يكشف محدودية الرهان الإيراني على الوكلاء الإسلامويين ، إذ أظهرت قدرة قوات تأسيس على مواجهة الدعم الخارجي وكسر محاولات فرض معادلات إقليمية بالقوة ، إن رمزية هذه المعركة تتجاوز بُعدها العسكري إلى كونها مؤشراً على أن الإرادة الوطنية يمكن أن تفرض نفسها حتى في مواجهة شبكات النفوذ العابرة للحدود.
وعليه فإن الدور الإيراني في حرب السودان ينبغي قراءته في سياق أوسع من مجرد دعم لحليف محلي ، إذ يعكس استراتيجية إيرانية للتمدد الإقليمي عبر وكلاء عقائديين ويؤكد في الوقت ذاته أن استمرار الحرب لن يبقى شأناً سودانياً داخلياً ومن هنا فإن معالجة الأزمة تقتضي مقاربة شاملة تضع في الاعتبار هذا البعد الخارجي ، وتسعى إلى تقليص فرص استغلال السودان كساحة للتجاذبات الدولية والإقليمية ، بما يحافظ على استقلالية قراره الوطني ويعيد توجيه الصراع نحو مسارات داخلية قابلة للحل.
إرسال التعليق