عمار سعد يكتب : بيان وزارة إعلام سلطة بورتسودان.. محاولة يائسة لتكميم الحقيقة - صوت الوحدة

عمار سعد يكتب : بيان وزارة إعلام سلطة بورتسودان.. محاولة يائسة لتكميم الحقيقة

لم يكن مستغرباً أن تصدر وزارة الثقافة والإعلام والسياحة في بورتسودان بيانها الأخير حول إيقاف مديرة مكتب قناتي “العربية” و”الحدث” في السودان وسحب تصريحها الصحفي. فاللغة المستخدمة في البيان، وما حُشي به من اتهامات فضفاضة حول “التضليل الإعلامي” و”تهديد الأمن القومي”، تعكس أكثر من كونها مجرد إجراء إداري تجاه مراسلة؛ إنها تعبير عن ارتباك السلطة الحاكمة أمام التقارير الاستقصائية التي بدأت تكشف المستور، وتفضح ممارسات قيادات النظام الإسلاميين المتخفين خلف واجهة الحكومة الحالية.

القرار ليس مهنياً.. بل سياسياً

ما أغفلته الوزارة عمداً أن المراسلة لينا يعقوب – التي تم استهدافها بالقرار – لم تفعل سوى ما يقوم به أي صحفي استقصائي محترف: البحث وراء الحقائق، ونقل ما يجري على الأرض بعيداً عن الرواية الرسمية المعلبة. غير أن هذه المرة، ضربت تقاريرها في صميم مصالح القيادات الإسلاميين الذين يسيطرون على مفاصل القرار داخل مؤسسات الدولة، وهو ما يفسر الغضب غير المسبوق، واللجوء إلى سلاح الإيقاف والإلغاء.

فالوزارة لم تتحرك عندما كانت نفس المراسلة تنشر تغطيات تمجد “الجيش” وتعيد إنتاج دعايته الحربية، بل كانت وقتها تحظى برضا السلطة وإشادتها. أما اليوم، وبعد أن بدأت تقاريرها تفتح ملفات حساسة وتكشف تورط قيادات النظام السابق في إعادة إنتاج خطابهم وممارساتهم، انقلب الرضا إلى خصومة، والثناء إلى اتهامات.

مطاردة الصحفيين.. أسلوب قديم يتجدد

ما حدث مع لينا يعقوب ليس حالة معزولة، بل يندرج ضمن نهج كامل تتبعه سلطة بورتسودان في مطاردة أي صحفي حر أو إعلامي يجرؤ على كشف عورات النظام أو الكتابة عن فساد السلطة والمسؤولين. هناك شواهد عديدة لصحفيين تعرضوا للاعتقال، وآخرين واجهوا الترهيب والتخويف، بل وبعضهم دفع حياته ثمناً للكلمة.
هذه الوسائل لم تكن جديدة على الإسلاميين، فقد مارسوها من قبل عندما كانت قبضتهم الأمنية في أوجها، وهم الآن يتوقون للعودة إلى نفس الأساليب، في محاولة لإسكات الأصوات الحرة وإعادة البلاد إلى مربع الظلام الإعلامي.

ازدواجية المعايير

البيان نفسه يعج بمفارقات تكشف الازدواجية:
• الحديث عن “حرية الإعلام” يقابله سحب للتصاريح ومطاردة للصحفيين.
• اتهام المراسلة باستخدام “مصادر مجهولة” يقابله اعتماد الإعلام الرسمي يومياً على روايات أحادية بلا تحقق.
• اعتبار تناول رأي مخالف “إخلالاً بالمهنية” يقابله التغاضي عن الدعاية المعلبة التي تبثها قنوات السلطة على مدار الساعة.

من الإعلام الحر إلى إعلام الحرب

في جوهره، البيان يكشف أن السلطة في بورتسودان لا تريد إعلاماً مهنياً حراً، وإنما تبحث عن إعلام “مستأنس” يؤدي دور “كتائب إعلامية” أشبه بكتائب البراء بن مالك في خطابهم الحربي، مهمتها الترويج للحرب وتزييف الوعي، بينما تُقمع أي محاولة لعرض رواية أخرى.

الصحافة ليست جريمة

إن ما جرى مع لينا يعقوب رسالة واضحة لبقية الصحفيين: أي محاولة للاقتراب من الخطوط الحمراء سترى الردع الإداري والأمني وربما الجسدي. غير أن هذه السياسات لن تفلح في طمس الحقائق أو في كسر عزيمة الصحفيين الأحرار، بل ستضاعف من انكشاف السلطة أمام الرأي العام المحلي والدولي.

ان قرار وزارة الإعلام السودانية ليس سوى قرار سياسي أمني، صادر من عقلية إسلامية مأزومة اعتادت أن ترى في الإعلام الحر عدواً يجب إخضاعه أو تصفيته. لقد جاءت تقارير لينا يعقوب كطلقة في قلب هذه العقلية، فكان الرد قراراً متعجلاً بالإيقاف والمنع.
لكن الحقيقة لا تُلغى بقرار وزاري، ولا تُمحى بتهديدات أمنية. ستظل الكلمة الحرة عصية على القمع، والسلطة التي تطارد الصحفيين لا تكشف إلا عن ضعفها وخوفها من مواجهة واقعها أمام شعبها والعالم.

إرسال التعليق

لقد فاتك