ياسمين آدم المصري : الحرب السودانية بعيون النساء: من الخسارة إلى التجنيد - صوت الوحدة

ياسمين آدم المصري : الحرب السودانية بعيون النساء: من الخسارة إلى التجنيد

في مشهد الحرب السودانية، ظهرت ظاهرة مشاركة المرأة في النزاعات المسلحة بصورة لم تكن معهودة سابقا، حيث أصبح لزاما على الكثيرات الخروج من أدوارهن التقليدية في الأسرة والمجتمع إلى ميادين القتال. لم تقتصر تداعيات الحرب على الرجال وحدهم، بل شملت النساء بشكل مباشر، سواء عبر تجنيدهن أو الضغط عليهن للمشاركة في العمليات العسكرية، وفقا لاتجاهات سياسية معينة.

النساء في هذا السياق وجدن أنفسهن مضطرات إلى رفع السلاح، والتدرب على استخدامه، والانخراط في ميدان كان يعتبر حتى وقت قريب حكرا على الرجال. هذا التحول المفاجئ لم يكن مجرد تجربة فردية، بل انعكاس لظاهرة أوسع تؤثر على النسيج الاجتماعي بأكمله. الشباب، والأطفال، ومن هم في سن الكفالة، وجدوا أنفسهم أيضا أمام خيارات قسرية، إذ تم تجنيدهم وإخراجهم من حياتهم الطبيعية.

المرأة، عندما تجند في هذا السياق، تواجه عدة أبعاد: أولها البعد النفسي، إذ تتعرض لضغوط كبيرة بسبب مسؤولياتها الجديدة، وفقدان من يعتني بها أو من يعتمد عليها اما البعد الاجتماعي، إذ تزاح من دورها التقليدي في الأسرة والمجتمع، لتصبح جزءا من ماكينة الحرب. ونجد بعدها السياسي ، إذ يكون تجنيد النساء جزءا من استراتيجيات الدولة أو الجماعات المسلحة، التي تستغل الحروب لتعبئة جميع الموارد البشرية، بما في ذلك النساء، في خدمة أهدافها.

ما يميز الحالة السودانية هو أن الدولة نفسها تورطت في هذه الظاهرة، من خلال دعم أو فرض التجنيد، مما جعل مسألة الدفاع عن الوطن مرتبطة مباشرة بالتحول الجوهري لدور المرأة في المجتمع. هذا المشهد يعكس واقعا قاسيا حيث تصبح المرأة جنديا يحارب، وتتعرض في الوقت نفسه لمخاطر الموت المباشر، وفقدان الأمان الاجتماعي، وانقطاع شبكة الدعم التي كانت تمثلها الأسرة والمجتمع المحلي.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن هذه الظاهرة لها انعكاسات بعيدة المدى على المجتمع بأسره. فالشباب الذين تم تجنيدهم، والأطفال الذين شاهدوا هذا التحول في أدوار النساء، يتأثرون بقوة على مستوى القيم والتصورات حول الجنسين والسلطة والحرب. المجتمع برمته يصبح في دائرة من التشوه الاجتماعي، إذ تتداخل مسألة الدفاع عن الوطن مع مشاهد الفقد والصدمة النفسية.
الواقع السوداني اليوم يقدم صورة صادمة حرب لم تقتصر على ميادين القتال فحسب، بل امتدت إلى بيوت النساء وأدوارهن، فحولتهن من رعاية الأسرة والمجتمع إلى جبهة الدفاع المباشر عن الوطن. هذه الصورة الواقعية تظهر أن الحرب ليست مجرد معركة على الأرض، بل تجربة تحول أدوار المجتمع، وتختبر قدرة النساء على الصمود في مواجهة الظروف القاسية، دون أن توفر لهن شبكة حماية كافية أو بدائل واقعية.

إرسال التعليق

لقد فاتك