كاربينو يكتب:كازقيل معركة استعادة المبادرة ورسائل التأسيس
جاءت معركة كازقيل اليوم لتفتح فصلاً جديداً في مسار الصراع إذ لم تكن مجرد مواجهة عادية في جغرافيا الحرب بل لحظة فارقة أكدت أن قوات تأسيس ماضية بثبات نحو استعادة زمام المبادرة وتغيير موازين القوى، ففي حين راهنت بيادق عصابة بورتسودان على قدرتها في فرض السيطرة جاءت وقائع كازقيل لتبرهن أن المبادرة انتقلت إلى الطرف الآخر، وأن مشروع التأسيس قد تجاوز مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم المدروس.
لقد أثبتت قوات التأسيس أن حسابات العصابة كانت قاصرة، فالميدان لم يعد مساحة لإدارة معارك دفاعية محدودة بل أصبح مجالاً للمناورة والهجوم الذكي، حيث تختار قوات التأسيس توقيت المعركة وأرضها لتضع خصمها في دائرة استنزاف لا خروج منها، بهذا الانتقال أثبتت التأسيس أنها ليست قوة رد فعل بل مشروع متكامل قادر على المبادرة والتخطيط بعيد المدى.
وفي قلب هذه المواجهة يظهر البُعد السياسي الذي لا يمكن فصله عن الميدان ، فقد جسدت كازقيل حقيقة أن العصابة التي أشعلت حرب الخامس عشر من أبريل قد نبشت قبرها بنفسها ، كان رهانها أن الحسم العسكري سيضمن بقاءها لكن كل جولة ميدانية تحولت إلى فضيحة سياسية وكل هزيمة إلى برهان إضافي على أن مشروعها انتهى ، وفي المقابل عززت التأسيس شرعيتها السياسية في الوعي الشعبي وأكدت أن معركتها ليست معركة سلطة بل معركة مشروع وطني للتغيير.
كما حملت كازقيل رسائل قوية للخارج للقوى الإقليمية والدولية التي ما تزال تراهن على العصابة ، الرسالة واضحة الدعم الخارجي لم يُعد كافياً لإنقاذ مشروع بورتسودان ، والواقع الجديد يتشكل على الأرض بإرادة الداخل ، فالتأسيس اليوم قوة عسكرية و حقيقة سياسية واجتماعية ستفرض نفسها على كل الأطراف ، إن ما بعد كازقيل لن يكون كما قبلها فقد أكدت هذه المعركة أن الحرب لم تعد رهينة من أشعلها وأن المبادرة أصبحت في يد التأسيس ، إنها لحظة فارقة ترسم ملامح سودان جديد ، سودان يخرج من عباءة الاستبداد نحو فضاء مفتوح على التغيير محمولاً على تضحيات الأشاوس وإصرارهم على استعادة الوطن من قبضة العصابة.
مع كل انتصار ميداني تظهر مسؤولية التأسيس في إدارة النتائج فقد أصبح الحفاظ على المناطق المستردة وتوطيد الأمن فيها جزءً لا يقل أهمية عن المعركة نفسها ، هذا الجانب يعكس قدرة التأسيس على التحول من مجرد قوة هجومية إلى مشروع وطني متكامل قادر على إدارة الأرض والناس ، وبناء الثقة الشعبية التي ستكون الدرع الأقوى في مواجهة محاولات العصابة العودة إلى المشهد.
كازقيل لم تكن معركة عسكرية فحسب بل تجربة تكشف عن مستوى التخطيط والقدرة على استثمار نقاط ضعف الخصم ، التأسيس أظهرت تفوقها في الجمع بين التحرك العسكري والتخطيط الاستراتيجي وهو ما يجعل كل خطوة لاحقة محسوبة بدقة ، هذه التجربة ترسخ قاعدة أن القوة العسكرية يجب أن تكون دائماً مترابطة مع الذكاء الاستراتيجي ، ولا تترك المجال للخصم لإعادة تنظيم صفوفه.
إلى جانب البُعد العسكري أثرت المعركة بشكل مباشر على المشهد السياسي الداخلي ، حيث زادت من الشرعية الشعبية للتأسيس ومشروعها الوطني و قلصت من فرص القوى التقليدية والعصابات في إعادة ترتيب أوراقها ، كازقيل أكدت أن التغيير في تأسيس ليس شعارات بل قوة مركبة بين إرادة الشعب والقدرة على تحويل الأرض إلى منصة للقرار السياسي.
معركة اليوم تعد رسالة واضحة بأن القوى الخارجية التي راهنت على بقاء العصابة أمام واقع جديد أصبح ذلك غير مممكن وأن الدعم الخارجي لم يعد العامل الحاسم ، كازقيل تشير إلى أن التغيير قادم من الداخل وأن أي تدخل أو رهان خارجي سيكون محدود الفاعلية أمام إرادة الشعب المنضبط بالخط الوطني للتأسيس.
إرسال التعليق