عزيز الدودو : الدبلوماسية الصامتة: كيف منحت قرارات التعايشي حكومته الشرعية الدولية؟ - صوت الوحدة

عزيز الدودو : الدبلوماسية الصامتة: كيف منحت قرارات التعايشي حكومته الشرعية الدولية؟

في خطوة تبدو للوهلة الأولى روتينية، تتجاوز قرارات رئيس الوزراء السوداني محمد حسن التعايشي حدود الشؤون الإدارية الداخلية، لترسم ملامح تحول دبلوماسي بالغ الأهمية. فتعيين المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة ليس مجرد شغل لمنصب شاغر، بل هو إجراء ذو حمولة سياسية وقانونية دولية ثقيلة، يُقرأ في عواصم العالم على أنه اختبار حقيقي لشرعية الحكومة الحالية ومكانتها على الخريطة السياسية العالمية.

وما يميز هذا التعيين هو إطاره الرسمي المكتمل؛ فقد تمت المخاطبة به عبر القنوات الرسمية الموثقة إلى المنظمات الدولية المعنية. وهذا الإجراء بحد ذاته يُعد تصعيدًا دبلوماسيًا يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية الرد. والقرار هنا لا يكمن في من تم تعيينه، بل في من أصدر القرار واعترفت به الجهات المُخاطَبة.

واللافت للنظر أن الصمت الدولي الذي قابل هذا الإعلان ليس صمتًا عاديًا. ففي قاموس الدبلوماسية، يعادل الصمت عن الاعتراض الموافقة الضمنية. إن عدم إبداء أي دولة أو مؤسسة دولية اعتراضها حتى الآن يشكل سابقة بالغة الدلالة، وهو بمثابة إشارة واضحة على أن الحكومة التي يرأسها التعايشي قد بدأت تكتسب شرعية عملية، حتى لو لم تعلن عنها بعض الدول صراحةً.

هذا القبول الدولي العملي، وإن كان غير مُعلن، يُعد انتصارًا دبلوماسيًا لحكومةٍ ما زالت في مرحلة التأسيس. فهو يعني اعترافًا ضمنيًا بكونها الطرف القادر على تمثيل السودان والتحدث باسمه في المحافل الدولية، وهي سُلطة لا تتمتع بها إلا الحكومات الشرعية المعترف بها. كما يمنحها دفعة قوية في معركة الشرعية التي تخوضها على الساحتين الإقليمية والدولية.

بعبارة أخرى، لم يعد الأمر مجرد حديث عن حكومة تسيير أعمال؛ فمن يملك الحق في تعيين مندوب دائم للأمم المتحدة هو من يملك، بحكم الأمر الواقع والاعتراف الدولي الضمني، مفاتيح تمثيل الدولة. وبالتالي، فإن هذا القرار هو أكثر من مجرد خطوة إدارية؛ إنه بيان سياسي مدوٍّ مكتوب بلغة الدبلوماسية الصامتة، يعلن أن شرعية حكومة التعايشي لم تعد محض نقاش داخلي، بل أصبحت حقيقة تتعامل معها الأسرة الدولية كواقع قائم، وإن كان لا يزال بين قوسين.

إرسال التعليق

لقد فاتك