عزيز الدودو : فضيحة “ديب ميتالز” ونهب ذهب السودان
تستغل شبكات الفساد في السودان، المكونة من جنرالات الحرب وسماسرة الميليشيات القبلية وبالتعاون مع أطراف إقليمية مثل المخابرات المصرية، الفوضى الأمنية والنزاع المسلح للاستحواذ على ثروات البلاد المعدنية، ولا سيما الذهب في ولايات الشمالية ونهر النيل. وتبرز شركة “ديب ميتالز” كأداة محورية في هذه المعادلة، حيث تعمل على جمع الذهب المنهوب ونقله بالتعاون مع قادة الميليشيات الذين يسهلون عمليات الاستخراج غير المشروع والتهريب. وتسمح هذه الشبكة المعقدة للشركة بالاستيلاء على كميات ضخمة من الذهب، مما يعزز النفوذ الاقتصادي لمصر في المنطقة ويدعم بشكل غير مباشر أحد أطراف النزاع بشكل يخدم المصالح الاستراتيجية لمصر، خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي المصري ومياه النيل.
ويكشف تسريب عقد شركة “ديب ميتالز”، الذي سلطت الضوء عليه الصحفية رشان أوشي، تفاصيل مثيرة للقلق؛ حيث تحصلت الشركة المصرية على نسبة 47% من الأرباح، بينما يتقاسم مبارك أردول وشريكه عمر النميري النسبة المتبقية. ويبلغ رأس مال الشركة 277 مليون دولار، مما يثير تساؤلات حول مصادر تمويل أردول، خاصة وأنه لم يشغل سوى منصب المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية. وبافتراض أن راتبه الشهري كان يصل إلى 50 ألف دولار، فإن جمع مبلغ قدره حوالي 90 مليون دولار (نصيبه من رأس المال) يبدو مستحيلاً دون وجود مصادر تمويل غير مشروعة.
ويشير هذا إلى أن أردول، الذي تم تجاهله في تشكيلة حكومة كامل إدريس، قد تم شراء صمته بمال الفساد، حيث حصل على مئات الملايين من الدولارات كرشاوى مقابل تسهيل عمليات الاستحواذ على مربعات الذهب. وقد ساهم هذا الفساد والصمت والتواطئ @@في إطالة أمد النزاع وتغذية الفساد، حيث تُستخدم عائدات الذهب في تمويل الحرب واستمرار العنف، بينما يظل الشعب السوداني يدفع الثمن من خلال نهب ثرواته وتدهور أوضاعه المعيشية.
هذه الآلية ليست جديدة، بل هي امتداد لمنظومة فساد كانت قائمة حتى قبل الحرب، لكنها تفاقمت بشكل كبير في ظل انهيار الدولة والانقسام السياسي والعسكري. وتؤكد التقارير أن شبكات التهريب تعمل عبر مسارات متعددة، تشمل الحدود مع مصر وتشاد وجنوب السودان، وغالبًا ما ينتهي المطاف بالذهب المهرب في دبي، حيث يتم غسله وإعادة بيعه في الأسواق العالمية.
وبالتالي، فإن فضيحة “ديب ميتالز” ليست سوى غيض من فيض، فهي تسلط الضوء على كيف تتحول الموارد الطبيعية إلى لعنة تغذي الصراعات وتديم الفوضى، وتكشف عن تعاون مشبوه بين النخب الفاسدة وقوى إقليمية لتقسيم ثروات السودان على حساب شعبه.
إرسال التعليق