بشرى عبد الرحمن : السهول الكردفانية - صوت الوحدة

بشرى عبد الرحمن : السهول الكردفانية

في صيف عام 2012، حظيتُ بفرصة زيارة مناطق جنوب كردفان، وتحديدًا منطقة الحميض. كانت رحلتي تمر عبر بلدات بلقاوة، أبو جبيهة، وتلودي، في طريق الوصول إلى أحد مناجم الذهب هناك. كنتُ حديث التخرج من كلية الهندسة بجامعة النيلين، وما زالت تلك التجربة محفورة في ذاكرتي، بكل تفاصيلها الجغرافية والإنسانية.

كانت الصخور الممتدة والمتراصة تشكل سلاسل جبلية مهيبة، تتدلى منها زهور شوكية على الجدران، وكأنها تفضح أسرار تلك الجبال الصامتة. رأيتُ فيها جمالًا خاصًا، جمالًا لا يُدركه إلا من تأمل الطبيعة بعين القلب. ومع ذلك، كان مرافقي في الرحلة يتحسر على حالي، إذ لم أجد في تلك الطبيعة ما يوازي ما كنت أبحث عنه من سكينة أو انبهار، لأن رحلتي كانت في الصيف.

ويؤسفني أن تُطمَر تلك البقاع الطاهرة بمن خان الأمانة، وهاجم من كان يحميه، بينما هو ينعم بخيرات تلك الأرض. إنها مفارقة مؤلمة، أن تُستغل أرضٌ بهذا الجمال من دون وفاء لأهلها.

لطالما كان سهل كردفان رمزًا لوحدة الوجدان السوداني عبر التاريخ، حين غذّاه الأجنبي من شركس وألبان وترك. ورغم تعاقب الثقافات، ظل هذا السهل يحتفظ بروحه السودانية الأصيلة، التي لا تعرف الانكسار.

أرى الأشوس، ذلك الإنسان المؤمن بقضيته، يرسم مستقبل الشعوب السودانية، مستقبلًا يقوم على الكرامة والعدالة. لقد جعلت صلابته وإيمانه هذه الرمال تثبت تحت قدميه، وكأنها تعترف له بالحق في الحلم، والحق في الوطن.

إن السهول الكردفانية ليست مجرد تضاريس جغرافية، بل هي مرآة للوجدان السوداني، حيث تتقاطع الأحلام مع التحديات، ويظل الأمل في بناء مستقبل أكثر عدالة وكرامة حاضرًا في كل خطوة

إرسال التعليق

لقد فاتك