ياسمين آدم المصري :الشباب السوداني بين الحرب والسياسة: مفترق طرق نحو المستقبل
الشباب في السودان هم أكثر الفئات التي دفعت ثمن الحرب والسياسة معا. فمنذ ثورة ديسمبر وما تبعها من موجات الحراك الشعبي، أثبت الجيل الجديد أنه يمتلك طاقات جبارة وأفكارا خلاقة، وقدم نماذج مشرفة في المبادرات المدنية، سواء في الإغاثة أو التنظيم أو نشر الوعي. في تلك اللحظات، كان الشباب يجتمعون تحت ظلال المبادرات النبيلة، متجاوزين انقسامات السياسة التقليدية، ليشكلوا جسدا واحدا يحلم بالتغيير والعدالة والسلام.
لكن الحرب الراهنة وما تبعها من تجاذبات سياسية فرقت هذا الجسد. السياسة، التي لطالما وصفت بأنها لعبة المصالح، استطاعت أن تسحب الشباب إلى ساحتها، ليتحولوا تدريجيا من أصحاب مبادرات جامعة إلى متحدثين يشبهون الساسة المخضرمين، يستخدمون نفس الخطاب، ويتبنون ذات الانحيازات. وبدلا من أن تكون السياسة أداة لخدمة مشروع وطني جامع، أصبحت ساحة لإعادة إنتاج الخلافات، وصار بعض الشباب جزءا من ماكينة الاستقطاب التي أضعفت وحدة الصف.
الأخطر من ذلك أن خطاب الكراهية والعنصرية بدأ يتسرب إلى أوساط الشباب. ما كان يوما مظاهر معزولة أصبح الآن أكثر وضوحا، حيث صار بعضهم يردد خطابا إقصائيا يستند إلى الانتماء العرقي أو الجهوي أو السياسي. هذا التحول يعكس فقدان البوصلة، إذ باتت القضايا النبيلة التي اجتمعوا حولها في المبادرات تُستبدل بشعارات فارغة تقسم ولا تجمع. السبب لا يعود فقط إلى الضغوط السياسية والعسكرية، بل أيضا إلى غياب مشروع وطني شامل يستطيع أن يحتوي هذه الطاقات ويوجهها نحو المستقبل.
اليوم يقف الشباب السوداني على مفترق طرق حقيقي. إما أن يستمروا في الانخراط في دوامة الاستقطاب، فيعيدون إنتاج نفس الأخطاء التي أوصلت البلاد إلى الحرب، أو أن يتجاوزوا هذه اللحظة الحرجة ليعودوا إلى منطلقاتهم الأولى: قيم الحرية والسلام والعدالة. الدور المستقبلي للشباب يتطلب وعيا نقديا بخطورة الانزلاق وراء خطاب الكراهية، وإدراكا أن بناء سودان جامع لا يتحقق عبر إقصاء طرف لحساب آخر، وإنما عبر تأسيس عقد اجتماعي جديد يعلي من قيمة المواطنة فوق أي انتماء آخر.
الخروج من هذه الورطة ليس مستحيل يمكن للشباب أن يستعيدوا زمام المبادرة عبر إعادة إحياء منصات الحوار والمبادرات المدنية التي كانت يوما مساحة جامعة لهم. كما أن الاستثمار في الثقافة السياسية الواعية، والتعلم من تجارب الأمم التي خرجت من الحروب الأهلية، سيساعدهم على صياغة مشروع وطني يضمن التعايش ويحمي التنوع. والأهم من ذلك، أن يدركوا أن السياسة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق قيم ومبادئ، وأن السياسة التي لا تضع مصلحة الإنسان أولا ستظل قاصرة ومهددة بالانهيار.
الشباب السوداني قادر على أن يحول هذه اللحظة المأزومة إلى بداية جديدة. وإذا نجح في تجاوز خطاب الكراهية والعنصرية، وأعاد اكتشاف قوته الجماعية، يمكن أن يقود مشروعا سودانيا جامعا يخرج البلاد من أتون الحرب إلى فضاء السلام والاستقرار.


إرسال التعليق