ياسمين آدم المصري تكتب : “أسطورة الشجاعة في المجتمعات المتأخرة عن الركب الحضاري”
في خضم محاولات المجتمعات المتأخرة عن الركب الحضاري لإثبات ذاتها، ظهرت موجة من التمرد على المركز، وعلى النظم السياسية والاقتصادية المهيمنة. لكن هذا التمرد أفرز ظواهر اجتماعية غير متوازنة، من بينها “أسطورة الشجاعة” تلك التي تطرح كقيمة عليا، تقدّم على العلم والمعرفة والتنمية، مما يكشف عن اختلالات عميقة بحاجة للمراجعة.
في كثير من المجتمعات “الهامشية” مقارنة بالمركز الحضاري بدأت تتصاعد ظاهرة مجتمعية تبدو في ظاهرها فضيلة لكنها تحمل في جوفها كثيرا من الإشكالات إنها “أسطورة الشجاعة” المبالغ فيها. تلك التي تقدم كبديل عن المعرفة، وكقيمة عليا تغلف ضعف البنية المعرفية والسياسية والاجتماعية.
هذه المجتمعات، التي تأخرت عن ركب الحداثة لقرون، تحاول اليوم أن تخلع عن نفسها غبار التبعية للمركز، فتعلن الثورة عليه ثورة على المركزية و على النمط الاقتصادي التقليدي، وعلى النظم المعرفية المفروضة. إلا أن هذه الثورة، ورغم ما تحمله من وجاهة، تنتج في أحيان كثيرة خطابات تقوم على المبالغة في إبراز صفات مثالية كالشجاعة والاعتماد على الذات، كتعويض نفسي عن تأخرها في مسارات التنمية والتعليم والتكنولوجيا.
نرى مثلا من يروج لفكرة أن “الشجاعة تغني عن العلم “، وهي أفكار تحمل في طياتها نزعة شعبوية تخلط بين التحدي المشروع وبين إنكار الحاجة إلى البناء المؤسسي والمعرفي. هذه المجتمعات تتكئ على قيم ثقافية قد تكون نبيلة في الأصل، لكنها حين تستخدم كوسيلة لإخفاء النقص البنيوي، تفقد معناها وتتحول إلى أقنعة.
إن المجتمعات التي ما زالت تعاني من الإرث الاستعماري، والجهل، والقبلية، لا يمكن أن تتجاوز أزماتها عبر التمرد الخطابي فقط. الثورة على المركز ليست شعارا، بل مشروعا يتطلب بناء معرفيا، ومراجعة نقدية للذات، وفهما عميقا لما نريد أن نكونه، لا فقط ما لا نريده.
وفي كل مرة نبالغ في فضيلة ما، تظهر خلفها جراح لم تلتئم بعد فحين تصبح الشجاعة بديلا عن الحكمة، والاستقلالية بديلا عن التكامل، والسيادة بديلا عن التعاون، نكون قد ضللنا الطريق.
إن طريق النهضة لا يمر عبر الصراخ والتحدي الفارغ، بل عبر الوعي العميق بأن الثورة الحقيقية تبدأ من الذات، من فهم موقعنا من التاريخ، وموقعنا من الحاضر، ومن ثمّ إعادة كتابة دورنا في المستقبل ليس بانفعال، بل بإدراك.
إرسال التعليق