مليح يعقوب حماد : السياسات الثقافية(المداخل الرئيسية) - صوت الوحدة

مليح يعقوب حماد : السياسات الثقافية(المداخل الرئيسية)

ان حصر المشاكل والعقبات التي تعانيها قطاعات الثقافة والفنون امر فى غاية الأهميّة بوصفه من ضمن المفاتيح الدالة على السياسات الثقافية المناسبة مع تركيبة الدولة السودانية.وقد جمعناها من مقالاتنا السابقة ومن المصادر البحثية ذات الصلة وسوف نتطرّق اليها بشئ من الإيجاز و ننشرها من حين إلى آخر فى شكل دفعات متتالية ونعتبرها من ضمن الخطوات اللازمة لعكس الواقع الثقافي وندعوا الجميع الى استيعابه والعمل على تجاوزه بالحلول الجزرية العادلة وتتمثًل الدفعة الأولى من تلك المشاكل في الآتي :
1-المشروع الثقافي لدولة 56 ولد منقوصا ومشروخًا ومشوهًا ومهما يحاول النهوض سيعجز عن إستكمال لوحاته.و سيفشل فى ضخ الأكسجين في رئة التنوع الثقافي والعرقي الذي يتمتع به السودان.ولن يتمكن من لملمة اطرافه أو استمالة الشارع السوداني الواعي بحقوقه والرافض لكافة أشكال العنصرية الثقافية المعلنة والخفيّة.
2- معظم السياسات الثقافية التي طبّقتها دولة 56 غير مناسبة مع تركيبة السكان.وتلك من العوامل التي تسببت في اختلال التوازن بين الوحدة والتنوع. فدولة 56 سعت بطريقة أو باخرى الى إلغاء الإختلافات و تذويبها فى ثقافة واحدة.مما دفع المواطنين الى المطالبة بفيدرالية الدولة
3-ارتباط دولة 56 بالثقافة والفنون سطحي ومظهري ويكثر في المهرجانات و المواسم و الأعياد والإحتفالات والكرنفالات والمناسبات القومية كشكل من الترميز والتضليل حيث يعطي انطباع المشاركة مع عدم وجود تغيير جزري علي ارض الواقع، وهذا يتنافى مع معايير التنمية الثقافية المتوازنة والتي ينبغي ان تنطلق من القواعد الشعبية الموجودة في المدن و القرى
و الارياف والبوادي و من خشبات الجمهور وليس على مسارح السلطة.
4-الثقافة من آخر اولويات دولة 56 باحزابها المختلفة ويتهرب الجميع من نبش ملفاتها، ومعالجة إشكالياتها لإرتباطها المباشر بقضايا السلطة والهوية والثروة والموارد. ونلاحظ ان ميزانية وزارة الثقافة من أضعف الميزانيات مقارنة بالوزارات الأخري.وهذه من جملة الاسباب التي تسببت في عدم تحويل الفنون الى مورد اقتصادي يرفد خزائن الدولة بالعملات الصعبة.
5- المؤسسات الثقافية المملوكة لدولة 56 غير مواكبة لتركيبة السكان ولا تمثل صورة عامة منه وقد انحازت لثقافات معينة واهملت الأخري ومن ضمنها وزارة الثقافة والاعلام والازاعة والتلفزيون وإن اصلاحها من الخيارات الصفرية او العدمية و المراهنة عليها مضّيعة لوقت الشعب وتكريس للأوضاع الثقافية القائمة .لقد فشلت تلك المؤسسات في ادارة التنوع الحاصل في داخلها وستفشل فى ادارته على المستوي الديمغرافي.
6-استحالة ادارة التنوع الثقافي والعرقي من سلطة مركزية قابضة،لأن السودان عبارة عن دولة مترامية الاطراف وشاسعة المساحات وغير متجانسة ثقافيًا ولغويًا وقوميًا وعرقيًا وهويّةً.كما ان التباعد الجغرافي بين الولايات والاقاليم والعاصمة القومية،حد من قدرة الحكومة المركزية في الانفتاح علي مجتمعات الريف.
7- المبدعون السودانيون وفي اغلبهم ضحايا للإقتصاد الطفيلي، و ضعفاء أمام الجهات المستفيده من إبداعهم كالدولة والمجتمع والشركات والأجهزة الاعلامية المرئية والمسموعة و اغلبهم ليسوا علي قلب رجل واحد، و في أمسّ الحوّجة لمن يساعدهم على توحيد كلمتهم وتنظيم صفوفهم في شكل نقابات وإتحادات واجسام مهنية و مطلبّية ،تتصدّي لقضاياهم وتنتزع حقوقهم المهدرة، فقد تحسبهم واحد و قلوبهم شتّي وقد يتاثروا بالتقاطعات الايديلوجية والفكرية و السياسية والوطنية والدينية والجهوية ،كما فشلوا فى بلورة رأي ثقافي عام، يحدّد نوعية السياسات الثقافية الموازية لحجم عطائهم، مع تجاهل بعضهم للثقافة والفنون كقيمة جمالية إبداعية مستقلًة ومجرّدة من العيوب ،حيث تربّعت اعداد مهولة من انصاف المبدعين على الساحة الفنّية على حساب الآخرين.والقوا بظلالهم السالبة على المنتوج الثقافي المعروض في الساحة.
8-لا توجد معايير واضحة لادارة التنوع في السودان.و إدارته بشكل عشوائي دفعت الكثير من المواطنين الي الشعور بعدم وطنية الدولة. وتلك واحدة من الاسباب التي قادت الى إنفصال الجنوب وانتشار الحروب فيما تبقّى من السودان.
9-سياسات الترقيع والترميز والتجاوز والإختزال و فرق تسد خصمت من رصيد التنوع وحولته من مصدر للقوّة والثبات الى مدخل للفرقة والشتات
10- الثقافة ركن من اركان الصراع، وجزء من محرّكاته الجغرافيّة والسياسيّة والإقتصادية والتنمويّة. ان اختزال الصراع في عنصر الثقافة من بعض النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة،يعتبر من احد الأخطاء الاستراتيجية التي قد ارتكبتها تلك النخبة، بالاضافة الى الدولة المركزيّة التي استخدمت سياسات فرّق تسد وساهمت في تعطيل المصالح بين القوميات السودانية ذات القواسم الثقافية والعرقية المشتركه ومن ضمنها النوبة والبقارة والعرب والزرقة وما الى ذلك.
11- الثقافة من اكبر ضحايا الصراع السياسي الدائر بين المركز والهامش وعلي جميع مستوياته الراسية والبينية
12- الثقافة تصمد و تفرض شروطها وادواتها بشكل طوعي واختياري بارادة الشعب ،وليس كما تفعل دولة 56 العابثة بمناظير الوحدة والإنصهار والتنمية و التنوع.
13-ان المركز الحقيقي للموارد الثقافية هو الولايات والاقاليم وليست الخرطوم التي احتكرت السلطة و القرار الثقافي فحازت على اكبر نسبة من مقومات الانتاج الثقافي كالقنوات والازاعات والتلفزيونات والتكنلوجيا والاتصال وما الى ذلك.
14-لقد اصبح التشرّزم من ضمن الرواسب السلوكية والإجتماعية والسياسية السالبة والمنتشرة بين المواطنين و الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات والقبائل والقوميات و الجيوش والحركات والمليشيات الإسلامية وتتفاوت الامراض الجهوية من مجموعة لأخري ويصعب السيطرة عليها فى المستويين القريب والمتوسط مالم يتم تغيير شكل الدولة بالكامل و بناء مؤسساتها على اسس وطنية عادلة يتساوى فيها الناس في الحقوق والواجبات.

باحث في إدارة التنوّع بالمركز الإفريقي للديمقراطية و التنمية

إرسال التعليق

لقد فاتك