المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية: أزمة السودان تهدد الأمن القومي الأمريكي
المصدر : السودان نيوز
في مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن إكزامينر، تناولت هيذر نويرت، المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ووكيلة الوزارة للدبلوماسية العامة والشؤون العامة، تداعيات الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان على المصالح الإقليمية للولايات المتحدة. وأشارت نويرت إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد دعا إلى مراجعة شاملة لاستثمارات واشنطن في برامج المساعدات الخارجية، بهدف ضمان توافقها مع المصالح الوطنية الأمريكية. وأوضحت أن هذه المراجعة لا تقلل من أهمية الدور الإنساني للمساعدات، بل تعيد تأطيره كأداة استراتيجية تخدم الأمن القومي، خاصة في المناطق التي تشهد اضطرابات تؤجج التطرف، وتزعزع الاستقرار، وتعيق حركة التجارة الدولية. واعتبرت أن الاستثمار الأمريكي في الإغاثة لا يُعد عملًا خيريًا فحسب، بل وسيلة فعالة لمنع تمدد الأزمات وتعزيز التوازن الإقليمي.
كارثة السودان
تطرقت نويرت إلى الوضع الميداني في السودان، مشيرة إلى أن الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قد خلفت خسائر بشرية فادحة، حيث تجاوز عدد القتلى 150 ألف شخص، وفقًا لتقارير مستقلة. وأضافت أن السودان بات يشهد أكبر موجة نزوح في العالم، متجاوزًا أزمات غزة وأوكرانيا، إذ أجبر الصراع أكثر من 12 مليون شخص على مغادرة منازلهم، بحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأكدت أن كل نازح، سواء كان امرأة أو طفلًا أو أسرة، يمثل مأساة إنسانية تتجاوز الحدود الوطنية، وتُفاقم هشاشة الإقليم بأكمله، ما يجعل الأزمة السودانية تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي.
خطر المجاعة
حذرت نويرت من أن السودان يقف على أعتاب واحدة من أسوأ أزمات الجوع في التاريخ الحديث، وفقًا لتحذيرات برنامج الغذاء العالمي. وأشارت إلى أن أكثر من 25 مليون شخص يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، فيما تهدد المجاعة عشر مناطق في البلاد. ولفتت إلى أن الأطفال في بعض المناطق باتوا مضطرين لتناول التبن أو علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، في مشهد يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تتطلب تدخلًا عاجلًا. وأكدت أن استمرار هذا الوضع دون تدخل سيؤدي إلى موجات جديدة من الهجرة، ويمنح الجماعات المتطرفة مساحة أكبر للتمدد، ما يُشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمنية الأمريكية ويُضعف قدرة الحلفاء على احتواء تداعياته.
مشهد الفاشر
سلطت نويرت الضوء على مدينة الفاشر في إقليم دارفور، التي تحولت إلى واحدة من أكثر جبهات الحرب اشتعالًا، حيث دفعت المعارك المتواصلة مئات الآلاف إلى النزوح القسري، بينما يعيش من تبقّى وسط حصار غذائي خانق وقصف متكرر. وأكدت أن هذا المستوى من العنف، إذا لم يُكبح، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإقليمية، ويُهدد الأمن القومي الأمريكي من خلال توسيع نطاق الصراع إلى دول الجوار، وزيادة نشاط الجماعات المتطرفة العابرة للحدود. وشددت على أن الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل هذه التداعيات، خاصة في ظل ارتباطها الوثيق بالأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
ذاكرة دارفور
استعادت نويرت تجربتها الشخصية في تغطية الإبادة الجماعية في دارفور قبل أكثر من عقدين، حين كانت تعمل صحفية في قناة فوكس نيوز. وروت كيف كانت ميليشيا الجنجويد تجوب القرى على ظهور الخيل، وتنفذ عمليات قتل واغتصاب ونهب ممنهجة، ما ترك أثرًا عميقًا في فهمها لدور القيادة الأمريكية في احتواء الأزمات. وأكدت أن التدخل الأمريكي آنذاك ساهم في منع انهيار المنطقة بالكامل، مشيرة إلى أن واشنطن قادرة اليوم على لعب الدور ذاته إذا ما توفرت الإرادة السياسية والقيادة الفاعلة.
جهود ترامب
أشادت نويرت بالجهود التي بذلتها إدارة الرئيس ترامب في محاولة إنهاء الحرب السودانية، من خلال التواصل المباشر مع طرفي النزاع، والتنسيق مع الدول المجاورة، والعمل المشترك مع المنظمات الدولية. وذكرت أن اجتماعات الرباعية السودانية، التي تضم السعودية ومصر والإمارات، كانت خطوة مهمة في هذا السياق، إلى جانب الضغوط الأمريكية لتأمين إيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة الفاشر ومناطق النزاع الأخرى. ورأت أن هذه التحركات تعكس إدراكًا أمريكيًا متزايدًا بأن الأزمة السودانية لم تعد إنسانية فحسب، بل أصبحت اختبارًا حقيقيًا لقدرة واشنطن على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
دعم دولي
أكدت نويرت على أهمية استمرار الدور القيادي الأمريكي في دعم المنظمات الدولية، مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي، مشيرة إلى أن هذه المؤسسات تمتلك القدرة على الوصول إلى الفئات الأشد ضعفًا في مناطق يصعب على الحكومات والجيوش الوصول إليها. واعتبرت أن تمويل هذه الجهود لا يُعد مجرد مساعدة إنسانية، بل هو استثمار مباشر في أمن الولايات المتحدة وحلفائها، يمنع تمدد القوى المعادية، ويساهم في استقرار منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، التي تُعد من أكثر المناطق حساسية في الخارطة الجيوسياسية العالمية.
مصالح استراتيجية
أوضحت نويرت أنها تتفهم تحفظات بعض المحافظين داخل الولايات المتحدة بشأن الإنفاق على المساعدات الدولية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد. لكنها شددت على أن المصالح الأمريكية في المنطقة تتجاوز حدود التعاطف الإنساني، وتشمل أمن البحر الأحمر، ومواجهة النفوذ الروسي والصيني المتزايد، والتصدي للإرهاب العابر للحدود. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تمتلك قاعدة عسكرية دائمة في جيبوتي، هي قاعدة “ليمونييه”، التي تُعد مركزًا رئيسيًا للعمليات العسكرية ضد شبكات القاعدة وحركة الشباب، كما تعتمد واشنطن على التعاون الاستخباراتي والعسكري مع دول مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا، التي تُعد شركاء أساسيين في جهود مكافحة الإرهاب.
رؤية متكاملة
اختتمت نويرت مقالها بالتأكيد على أن سياسة “أمريكا أولًا”، التي تبنّاها الرئيس ترامب، لا تعني الانعزال عن العالم، بل يمكن أن تشمل استثمارات استراتيجية في مناطق النزاع، تهدف إلى منع توسّع الأزمات التي تُهدد الأمن القومي الأمريكي من بعيد. وأكدت أن التجربة أثبتت أن القيادة الأمريكية القوية قادرة على إحداث فرق حقيقي في مسار الأزمات، إذا ما تم توظيف أدواتها الدبلوماسية والإنسانية والعسكرية بشكل متكامل وفعّال.
إرسال التعليق