ما بين صعاليق عروة و صعاليق العرب : ما اشبه الليلة بالبارحة - صوت الوحدة

ما بين صعاليق عروة و صعاليق العرب : ما اشبه الليلة بالبارحة

لقد سمعنا جميعًا عن عروة بن الورد، ذلك الفارس النبيل الذي جاب الصحراء، لا ليسطو، بل ليُعيد توزيع الثروة. كان أشبه بـ”روبن هود العرب”، يأخذ من القوافل ليُطعم الفقراء والمساكين من بني عبس وغيرهم. ناضل من أجل المهمشين، ورفع راية العدل في وجه الظلم. يقول مخاطبًا زوجته في أبياته الخالدة:

“دعيني للغنى أسعى، فإني
رأيتُ الناسَ شرّهمُ الفقيرُ”

كلماتٌ تردّد صداها عبر خمسة عشر قرنًا ونصف القرن، وما زالت تعكس واقعًا لم يتغير كثيرًا. فصورة الفقير في المجتمع العربي لا تزال تُثير الريبة، لا التعاطف.

كان عروة مثالًا للنبل والصدق، اكتسب محبة العرب وشهرتهم. لكن هذه الشهرة لم تمر مرور الكرام على سادات القوم، فقد رأوا فيه خطرًا على هيبتهم وسلطانهم. دبروا له المكائد، وحاربوه بأساليب دنيئة. لم يتوانَ بعضهم عن تجنيد قطاع الطرق والصعاليك لارتكاب الفظائع باسم “صعاليك عروة”، في محاولة بائسة لتشويه صورته النقية التي سكنت وجدان العرب.
ويا للأسف، نجحوا في مخططهم الخبيث. استغلوا حبه لزوجته، وحرمانه منها بحيلة ماكرة، فانتهت قصة رجلٍ من أعظم رجال العرب قبل الإسلام، حاول أن يصوغ مفهومًا بديلًا للعدالة في مجتمع لا يعرفها إلا سلاحًا بيد الأقوياء.

إنها قصةٌ تتكرر عبر العصور: مؤامرةٌ قديمة أجهضت حلم شاعر عبثي نبيل، رأى في الكرامة والغنى وسيلةً لتحرير الإنسان من قيد الحاجة والذل. عروة لم يكن مجرمًا، بل كان مناضلًا، غير أن القبائل، حين شعرت بفقدان سيطرتها على الضعفاء، تآمرت عليه بتجنيد بعض المجرمين لينتحلوا صفته ويرتكبوا الجرائم باسمه، لتتحوّل صورة الفارس إلى مجرم، والثائر إلى قاطع طريق.

لكن، هل ماتت هذه الحيلة بموت عروة؟
لا والله! ما أشبه الليلة بالبارحة!

إننا نشهد اليوم تكرارًا فجًّا للمشهد ذاته، مع شخصيات معاصرة مثل محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي ظهر في لحظة حرجة من تاريخ السودان، مدافعًا عن الثورة والمستضعفين من أبناء الهامش. دخل الحرب – كما يقول أنصاره – مضطرًا لحماية من لا صوت لهم. لكن النخب المركزية الطفيلية التي استحوذت على السلطة والثروة منذ الاستقلال، شعرت بالخطر.
وماذا فعلت؟
جندت المتفلتين والمجرمين ودسّتهم في صفوف الدعم السريع، تمامًا كما دُس الصعاليك المجرمون في صفوف “صعاليك عروة”. فارتُكبت المجازر، لا باسم الجناة الحقيقيين، بل باسم الحركة ذاتها، فيتم تشويه القائد عبر تشويه من ينسبون أنفسهم إليه.

وهكذا، كما ثار العرب قديمًا على عروة وصعاليكه بسبب جرائم لم يرتكبوها، ثار الناس اليوم على حميدتي وقواته، بسبب جرائم ارتكبها منتحلو الصفة لا من حملوا المشروع.

فهل نتعلم؟
هل نعي الدرس التاريخي ونميز بين الفعل الحقيقي والانتحال؟
أم سنظل أسرى سرديات تصوغها مراكز النفوذ، تُملي علينا من هو “الخير” ومن هو “الشر”، بينما الحقيقة مدفونة تحت ركام الأكاذيب؟

إرسال التعليق

لقد فاتك