النسوية المشوهة : من حركة تحرر إلى وصفة عاطفية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تُخلق النسوية لتكون دليلًا عاطفيًا سطحيًا، ولا وُجدت لتُعلِّم المرأة كيف تتعامل مع زوجها، بل تأسست بوصفها حركة نقدية جذرية تُواجه السلطة، لا تُهادنها، وتفكك البُنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تُعيد إنتاج الظلم، لا تلك التي تُعيد إنتاج العلاقات. النسوية التي تُختزل في نصائح عاطفية وتُقدَّم كخلاص فردي مبني على تجارب شاذة لا شاملة، لا تُنتج وعيًا بل وهمًا؛ لا تحررًا بل تقييدًا جديدًا بثوب حداثي في أشنع معاني الاختزال.
من نقد السلطة إلى مراقبة الفراش: انحراف عن المسار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس من شأن النسوية أن تُدير العلاقات العاطفية، ولا أن تُعطي دروسًا في كيفية الحديث مع الشريك، فهذه مسائل شخصية لا جماعية، تقوم على تجارب متباينة لا على وصفات موحَّدة. فالمرأة التي تُقدِّم نفسها كمرجعية للعلاقات تُمارس سلطة أخرى لا تقل قمعًا عن السلطة التي تدّعي معارضتها؛ سلطة لا تُبنى على الوعي بل على الجهل، لا على التجربة الإنسانية بل على التعميم المَرَضي.
كما قال المؤسس العظيم ماو تسي تونغ: على الجماهير أن تعرف من هو عدوها الحقيقي. والعدو هنا ليس الرجل كشخص، بل السلطة كبنية، والظلم كمؤسسة. النسوية لا تُحارب الرجال، بل تُحارب المنظومات؛ لا تستبدل سلطة بأخرى، بل تُطيح بجذر السلطة. إنها تُحارب القمع لا العلاقة، النظام الطبقي لا الرجل البسيط، الدولة المتوحشة لا الزوج المحب.
من الفرد إلى الجماعة: مأزق التعميم النسوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرأة التي تُقدِّم علاقتها الفاشلة كنموذج نسوي، لا تفعل ذلك عن وعي بل عن كبت؛ لا تُعبّر عن تجربة بل تُسقط ألمها. لأنها تحوِّل الفشل العاطفي الشخصي إلى خطاب عام، وهذا الفعل لا يُنتج حركة، بل يُنتج نرجسية مؤدلجة وعزلة فكرية. النسوية ليست مرآة مشاعرية، بل مرآة تحليلية تُوجَّه نحو البُنى لا الأفراد. إن الحركات الاشتراكية الإفريقية، كما عند أميلكار كابرال، لم تركز على العواطف الفردية، بل على أن التحرر لا يأتي من القلب بل من وعي الجماعة بالعدو المشترك.
النسوية الجذرية لا النسوية الاستعراضية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النسوية الجذرية تُنتج معرفة لا نصائح، تُنتج مقاومة لا استعراضًا، تُنتج وعيًا سلطويًا لا شعورًا انتقاميًا. النسوية الحقيقية تهتم بالطبقة لا بالفراش، بالعدالة لا بالرغبة، بالتغيير لا بالثرثرة. النسوية الجذرية لا تنشغل بكيف تسألين زوجك، بل لماذا يُقمع زوجك قبل أن يُقمعك؛ لا تهتم بمن قال لكِ كذا، بل بمن فرض عليكِ هذا الواقع.
النسوية التي لا تقرأ لا تُحرر بل تُشوّه، والمرأة التي لا تُراكِم وعيها الفردي ستبقى تردد أفكارًا سطحية لا جذرية، مُعلّبة لا متحررة، صادمة لا صامدة. وكل من تربط النسوية بالعلاقة العاطفية تُحوِّل القضية من صراع سلطوي يرتبط بأجهزة الدولة إلى خلاف عائلي، وهذا إسقاط فادح لا ديالكتيكي.
ما بين الاستقرار والوهم: أين تذهب النسوية الآن؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الاستقرار ليس نقيضًا للنسوية، بل أحد أهدافها. فالمرأة التي تُدرك هذا لن تُضيّع بيتها بسبب أوهام مُلقاة من فتيات مُصابات بصدمات نفسية نتيجة لعلاقاتهن الفاشلة، يعتقدن أن الثورة تبدأ من السرير وتنتهي بالسؤال العاطفي. إن الاستقرار لا يأتي من نصيحة بل من تجربة، لا من تعميم بل من خصوصية، لا من وصاية بل من حرية.
نقد السلطة لا نقد الذكورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الدول المستبدة، الجميع ضحايا: رجالًا ونساءً. والنسوية التي تُصوِّر أن الرجل هو الجلاد والمرأة هي الضحية المطلقة لا تُحرِّر بل تُقسِّم، لا تُدرك البنية بل تكتفي بالمظهر. وكما أن القبلية ليست عداوة بين قبائل، بل أداة تُستخدم لإدامة السلطة، فإن العداوة الجندرية هي نسخة حداثية من نفس الفخ السلطوي.
في خاتمة ما أقوله: الحل الجذري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكي تخرج النسوية من هذا الانحراف المفهومي، لا بد أن تُعيد ترتيب علاقتها بالمعرفة، لا أن تُعيد إنتاج الشكوى، وأن تشتبك مع الوعي لا أن تنخرط في الصراخ. فالمرأة التي تقرأ، تُدرك من يُهمشها لا من يُرافقها، وتعي من يُشاركها القيد لا من يختلف عنها في الشكل. لا تحتاج إلى وصفة جاهزة للعلاقة، بل إلى أداة فاحصة في النقد؛ لا تبحث عن تقنيات الاحتواء، بل عن شروط التحرر؛ لا تريد من يرشدها كيف تُحب، بل من يوضح لها كيف تُنتَهك.
وحين تفهم المرأة أن الظلم بنية لا موقف، وأن القمع نظام لا حادث، وأن السلطة تُفكك لا تُهادن، وأن الحل يبدأ من تفكيك منظومة الامتياز لا من تفكيك أربطة الزواج، عندها فقط ستستقيم النسوية، وتغدو وعيًا لا غضبًا، بناءً لا هدمًا، مقاومةً لا انفعالًا جاهلًا.
فالنسوية التي لا تُوجِّه نقدها إلى المركزية الاقتصادية التي تُعيد إنتاج التبعية، ولا تُقاوم أجهزة الدولة التي تُعيد إنتاج الانضباط الجندري، هي نسوية سطحية لا جذرية، تجميلية لا بنيوية، انفعالية لا استراتيجية. هي نسوية تُزعزع استقرار الأسرة لا لتحررها بل لتهملها، تُربك مفهوم الشراكة لا لتُعيد تأسيسه بل لتبتذله، تُعادي الزواج لا لأنه قيد، بل لأنها لا تفهمه.
إن النسوية التي لا تقرأ الاقتصاد بوصفه سلطة، ولا تُدرك الأسرة بوصفها بنية لا عاطفة، ولا تنقد الحب بوصفه تعاقدًا لا نشوة، هي نسوية لا تصوغ تحررًا بل تُعيد إنتاج الهيمنة بلغة مقلوبة، ولا تصنع وعيًا بل تستهلك خطابًا. هي تُحارب الأب لا لأنها ضد الاستبداد، بل لأنها لم تفهم شكل السلطة. وتنتقد الرجل لا لأنه مُهيمن، بل لأنه مرآتها في الضعف
إرسال التعليق