خطاب حميدتي الأخير: عقلانية محسوبة ورسائل استراتيجية للداخل والخارج

ألقى الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، خطابًا اتسم بنبرة هادئة وعقلانية، عكست تحولًا ملحوظًا في خطابه السياسي والدبلوماسي، لا سيما في تعاطيه مع دول الجوار. تجنّب التصعيد وركّز على إرسال رسائل طمأنة واضحة، في مسعى لإعادة رسم صورته كفاعل عقلاني يسعى إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي بما يخدم مصالح السودان ومحيطه.

في هذا الخطاب، ظهرت إشارات مباشرة وغير مباشرة تؤكد أهمية التعاون مع دول الجوار واحترام سيادتها، ما يعكس توجهاً استراتيجياً جديداً لكسر العزلة السياسية التي فرضتها الحرب. ويمكن القول إن حميدتي يسعى من خلال هذا النهج إلى بناء شبكة دعم إقليمية ودولية تعزز موقعه وموقع قوات الدعم السريع في أي تسوية سياسية قادمة.

رسائل داخلية واضحة

لم يقتصر الخطاب على البعد الخارجي، بل تضمن رسائل داخلية ذات دلالات مهمة، أبرزها الدعوة الصريحة إلى جبريل إبراهيم وميني أركو مناوي للعودة إلى صوت العقل والانحياز للشعب، بدلًا من الاصطفاف مع ما وصفه بـ”السلطة الانقلابية”، في إشارة إلى قيادة الجيش. وقد عبّر عن رغبته في عودتهما إلى مسار الثورة والانخراط في مشروع وطني جامع.

كما وجّه نداءً خاصًا إلى المواطنين في الولاية الشمالية، دعا فيه إلى فتح الطرق والمعابر، وعدم الانجرار وراء التحريض الإعلامي وخطاب الكراهية. وأكد أن مواطني الشمالية جزء أصيل من النسيج الوطني، وأن حماية المدنيين تظل أولوية لا تقبل المساومة.

أبعاد استراتيجية متعددة

التوجه العقلاني في الخطاب يخدم عدة أهداف استراتيجية:
• عسكريًا: يساهم في تأمين خطوط الإمداد والحدود عبر بناء علاقات مستقرة مع دول الجوار.
• سياسيًا: يعزز موقع حميدتي كزعيم يسعى لجمع القوى المدنية والمسلحة حول مشروع سياسي بديل.
• دبلوماسيًا: يفتح الباب للاعتراف به كطرف شرعي في أي عملية تفاوض أو مبادرة سلام مستقبلية.

خاتمة

في السياق الأوسع، لا يمكن بناء مستقبل السودان على توازنات القوة العسكرية أو الدعم الإقليمي وحده، بل يتطلب الأمر تحقيق سلام شامل وعدالة اجتماعية في ظل نظام فيدرالي عادل وسلطة مدنية كاملة، تعبّر عن تطلعات الشعب في الحرية والمساواة والديمقراطية.

وفي المحصلة، لم يكن خطاب حميدتي الأخير مجرد إعلان موقف، بل رسالة استراتيجية متكاملة تستهدف الداخل والخارج، وتؤكد سعيه لترسيخ نفسه كفاعل سياسي لا يمكن تجاوزه في معادلة السودان المقبلة.

إرسال التعليق