محمود و محمود و محمد : المفكر و الفنان و الجنرال ضد الاستبداد

تختلف الأزمنة والأدوات، ولكن الهدف واحد: نحر عنق الطغيان. في هذه الرحلة، نجد ثلاث شخصيات صنعت التاريخ بفعلها ومواقفها.

الأول، محمود محمد طه، المفكر الذي تنبأ بنهاية حكم الطغاة. لقد أخبرهم أن شجرة الزقوم التي غُرست ستُقلع، وكانت نبوءته صادقة. صوته كان صارمًا في مواجهة الظلم، حيث قال: “سوف أنسف ما بها من ظلم”. مفكر ومبدع، أول من تنبأ بفساد معتقد الأنظمة الإسلامية، وأعاد تعريف التفكير الإسلامي ودلالات النص القرآني. دعا إلى إعادة تفسير الإسلام وفقًا للظروف الحديثة، وفي ذلك واجه حكم الإعدام.

والناظر إلى مقولته اليوم، يجدها واقعًا بيننا. لقد مثّلت فترة الحكم الإسلامي في السودان كابوسًا يعيشه الداخل، وإرهابًا للخارج، وسرقة لأموال الشعب باسم التدين.

الثاني، محمود عبد العزيز، الفنان الذي قاوم دولة الكيزان. صوته كان صادحًا في مواجهة الظلم، حيث قال: “وطني ظلمني حينما لم يعترف بهويتي، ظلمني، أجهلني عن عمدٍ مؤسسي، حينما قال إني خارج حدود مداركه”. فنان أتى من خارج دوائر إدراكهم، ورغم ذلك غيّر خارطة الغناء، فكان هو “الجان”، في وقت كان فيه الإبداع مرتبطًا بشخصيات وبيوتات تُورّثه. سلوكه لا يشبههم، فعملوا على تجريمه.

يا أسفي، حين تُجلد المشاعر بصوت الفضيلة الكاذبة والطهرانية الزائفة، فقط لأنهم خافوا من محبة الناس له وقدرته على التأثير. كل هذا مثّل هاجسًا لدى مشروع الفصل العنصري الذي تبنّوه. وهو الذي رفض ترديد أناشيدهم الزائفة، فكان صوت محمود دعوة إلى الوحدة: “في مدينة جوبا، بابنوسة، قمبيلا”. صوته الوحيد الذي تغنّى به كان ضد رغباتهم في تفتيت هذا البلد.

الثالث، محمد حمدان دقلو، الجنرال الذي هدم دولة الإرهاب السياسي. لقد ضرب بطْناب الرمال عند أعتاب المدينة، وقام عليها ضربًا ذات اليمين وذات الشمال. كان مدفع “23” مدوّيًا في مواجهة الطغيان. وهو يمتطي التويوتا؛ تشابهت في هذه الشخصيات البساطة والوضوح ومحبة الناس، وهي الصفات التي تُخيف السلطان من توحيد الشعوب.

رجل أتى من النسيان، لكنه كان يفهم معنى المعاناة حين تجعلك الدولة رقمًا مجهولًا في اهتماماتها. ففهم أن بناء سودان جديد يمر بهدم ما بُني على أساس التعالي الطبقي والزيف الوطني. تاريخيًا، لم يقدر أحد على خلق توازن حربي يوقف عنف الدولة ضد الشعوب إلا هذا الجنرال.

الثورات على سلطة الخرطوم كانت، منذ الاستقلال، تبحث في كيفية تفكيك سلطة المركز لمصلحة الجميع. فخاض الهامش حروبًا على مرّ التاريخ، وأنتج مفكرين ومبدعين لمجابهة صلف السلطة في تحقيق المواطنة المتساوية. فكانت محطات مختلفة لثلاث شخصيات.

جسد هؤلاء الثلاثة رؤية وطنية متجذرة في مواجهة عنف الدولة وظلمها. كانت لهم كلمات ملهمة في وجه القهر، وتركوا أثرًا عميقًا في مسيرة النضال الوطني

إرسال التعليق

لقد فاتك