البادية و عنف الأفندية: قراءة في مسلسل الدهباية

بقلم : بشرى عبدالرحمن

في مقال الأستاذ حاتم إلياس، تطرّق الكاتب إلى صورة المثقف الذي يضع المجتمعات السودانية في قوالب نمطية جاهزة، بوصفها بعيدة عن الحضارة الإنسانية. ويظهر هذا التنميط في ربط العنف بالبدوية، كما في الصراع الذي شهده أولاد أم درمان بين حزب الأمة والحزب الشيوعي، في سياق قرار حل الأخير، حين وصف عبد الخالق محجوب خصومه بأنهم “أصحاب القمصان المكوية” في مواجهة “عنف الهمجية (البادية)”. ومثال ذلك أيضًا مسلسل الدهباية، الذي عُرض في تسعينيات القرن الماضي.

يُصنّف مسلسل الدهباية المجتمع إلى ثلاث فئات: الأفندية، والبدوية، والبنت الجميلة. ويُرسّخ هذا التصنيف مفهوم التعالي الطبقي، حيث يُقدَّم ابن المدينة بوصفه صاحب النموذج الحضري، مقابل ابن البادية الذي يُجبل على العنف. هذا النوع من التصنيف يعكس ورطة الأفندية الذين خرجوا من محو الأمية بقدرة على “فك الخط”، لا على إنتاج الفكر، ووجدوا أنفسهم عاجزين عن فهم الواقع خارج حدود أدواتهم المفاهيمية.

الأفندية، بقيادة مثقفين مثل الدكتور عبد الله علي إبراهيم، والقاص عبد العزيز بركة ساكن، يُظهرون مستوى من التعالي في تفكيرهم الإبداعي. ويتجلّى هذا التعالي في ضعف طاقاتهم الإبداعية، وفي عجزهم عن فهم الواقع خارج قوالبهم. فكتاباتهم تمثل حالة من “الصفريّة” مع المختلف، وتدفع نحو صراع دائم، حين تصبح أدوات المثقف معولًا للموت بدلًا من أن تكون وسيلة للفهم.

إنّ مسلسل الدهباية يُعد نموذجًا للتصورات الخاطئة التي يحملها بعض الأفندية عن البادية والعنف. لذا، فإن المثقفين السودانيين مدعوون لإعادة تقييم منهج تفكيرهم الإبداعي، والابتعاد عن التعالي والتنميط. فالإبداع يجب أن يكون أداة للفهم والتواصل بين مختلف فئات المجتمع، لا وسيلة للفرقة والصراع

إرسال التعليق