بروفيسور عبدالله علي إبراهيم ليس مخطئًا
بروفيسور عبد الله علي ليس مخطئًا
بقلم : بشرى عبد الرحمن
لقد جنى محمد علي باشا ذهب فازوقلي، وفي سبيل ذلك كان يرسل حملات لصيد العبيد من تخوم كردفان أو أعالي النيل الأبيض، ليعملوا في مناجم الذهب، أو يُؤخذ بعضهم كجنود في جيش الدولة العثمانية. كانت تلك الحملات تتكوّن من ضباط وجنود مشاة، إلى جانب مليشيات قبلية محلية، وكان تمويلها يتم عبر التجار، أو ما يُعرف بـ”الجلابة”.
وفي نقطة أخرى، فإن وظائف السكرتارية والجباية كانت تُعد من الأعمال المحتقرة لدى الأتراك والمواطنين العاديين، إذ ارتبطت بجمع الضرائب وتنفيذ أوامر الخديوية، ثم تُركت لاحقًا للسودانيين الذين التحقوا بما عُرف بـ”كلية غوردون”.
انتهى، مقتبس من كتاب “على تخوم العالم الإسلامي”.
في منشور سابق على منصة “فيسبوك”، طُرح سؤال:
هل قدّم الرعيل الأول للدولة السودانية عند الاستقلال، من المثقفين والمتعلمين، بيان اعتذار إلى الشعوب السودانية عمّا كان يُمارس ضدهم من تمييز؟
انتهى، مقتبس من مقال للأستاذ حاتم الياس.
قال الدكتور عبد الله علي، في إحدى المداخلات التلفزيونية:
“إنه سيظل يكتب ويدافع عن شكل الدولة، وإذا توقّف عن ذلك، فإنه يعدّه خيانة في حق الدولة التي رعته وعلّمته.”
……….
في السودان، تتشابك قضايا الهوية والسياسة والاقتصاد، لتُنتج مشهدًا معقدًا من التحديات الاجتماعية والاقتصادية. ويُمثل الدكتور عبد الله علي، بصفته أحد أبرز الشخصيات الأكاديمية والسياسية، نموذجًا للشخصيات التي استفادت من نظام الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية القائم.
السؤال هنا:
كم قتلت هذه الدولة في سبيل المحافظة على هذا التميّز والرعاية؟ وكم من شعوبٍ أُجهلت لكي يتعلم الدكتور عبد الله علي؟
المُلاحظ في موقف الدكتور عبد الله علي، وكثير من الذين رضعوا من ثدي الامتياز الاجتماعي، أنهم قد تشكّل وعيهم على أساس أنهم هم الدولة، وأن أي مظهر خارج عن هذا الوعي الوراثي الذي جُبلوا عليه، يُعد خيانة. بل إن الحديث عن خلل أو قصور في العقد الاجتماعي القائم يُصنّف فورًا في خانة “العمالة” أو “التمرد”، مع سحب الوطنية من صاحب هذا الطرح، بناءً على تصوّرهم الوراثي للامتياز.
وأرى أن ما ذهب إليه الدكتور عبد الله علي صحيح، إذ يُعبّر عن صيرورة نظام حافظ على حقوق مجموعات منذ عهد الخديوية إلى يومنا هذا، حيث تمّ فيه وضع لبنات نظام وراثي يُكرّس الحكم والثروة في أيدي فئات محددة، دون سواها. يتمتع هؤلاء بخيرات هذا البلد وحدهم، ويُجسّد الدكتور عبد الله علي نموذجًا واضحًا وحقيقيًا لهذا التميّز القائم في المجتمع السوداني.
لقد صُرف عليه، واستأثر بفرص التعليم، والثقافة، والسياسة، والطب البيطري، بينما نجد على الطرف النقيض مجموعات كاملة داخل الدولة تموت بالملاريا، أو بسبب لدغات العقارب، أو تشرب من مياه البرك التي تردها الحيوانات. فردٌ يتمتع، وشعوب تُجهّل؛ هذا هو الشكل الذي يدافع عنه الدكتور عبد الله علي.
ويخطر لي هنا سؤال:
هل هذا هو شكل الدولة، أم هو نظام اجتماعي تلبّس لباس الدولة، لسرقة موارد الشعوب؟ أم أنه نظام تركه المستعمر، ليُدير المستعمَرين من خلال أدواته، عبر فئات محددة ترفع الشعارات الفارغة باسم الوطن أو باسم الدين؟
لذلك، فإن موقف الدكتور عبد الله ليس غريبًا عليه؛ بل هو ابن هذا الشكل والمنطق المعوج، الذي استثمر في صراعات المجتمعات، واحتكر المعرفة بدلًا عنها، ثم مَنّ عليها بالحظوة التي انتزعها دون رضاها، ودون قناعة منها بشكل العقد الاجتماعي القائم. وجعل من حضوره في القنوات الإعلامية، حديثًا لا يُمثّل لسانها، بل يُشارك في سرقة أحلامها في الحياة
إرسال التعليق