كاربينو يكتب : بطش الحركة الإسلامية وتشريد المواطن الخرطوم مدينة عاجزة عن احتضان أبنائها
انزلقت الخرطوم من مقام العاصمة إلى جرح مفتوح و تحولت من قلب نابض للسودان إلى مسرح لجريمة اقتلاع مواطنيها من جذورهم ، وفضاء طارد يسكنه الخوف والخذلان المدينة التي كانت مخزن ذاكرة الأجيال وأملهم في الاستقرار غدت غريبة على أهلها بلا أمان ولا مستقبل ، بطش الحركة الإسلامية لم يقتصر على السيطرة على السلطة والموارد بل امتد إلى تشريد المواطن عمداً لتصبح الخرطوم مدينة عاجزة عن احتضان أبنائها رهينة الفساد والفوضى والمهددات المصنوعة بعناية.
في قلب هذا المشهد يتصدر التدهور الأمني كل تفاصيل الحياة إذ لم تعد الخرطوم فضاءً عاماً آمنا ، بل حقلاً للفوضى تسيطر عليه جماعات مسلحة امتهنت العنف بأبشع صوره و عصابات “البراء” والخلية الأمنية التابعة لها حولت حياة المواطن إلى جحيم من التنكيل والخطف والابتزاز لتصبح العودة مغامرة محفوفة بالموت.
لكن الصورة الأعمق تكشف أن هذه المهددات الأمنية لم تنشأ عبثاً بل صُنعت عن قصد فالهدف الأسمى لكوادر الحركة الإسلامية واللجان الشعبية وما يسمى بالمقاومة الشعبية هو الالتقاء في مشروع واحد تجارة الأراضي السكنية ، ولتحقيق هذه الغاية يجري افتعال حالة دائمة من الفوضى والخوف تحول دون عودة المواطن إلى منزله لتُترك الأراضي بلا أصحاب حقيقيين وتصبح سلعة في سوق النفوذ والفساد ، إن الخرطوم لم تُشرد أبناءها فقط بل سُلخت عن روحها حين تحولت أرضها إلى غنيمة تتقاسمها الشبكات السياسية والأمنية.
ومع ذلك لا يقف الانهيار عند حدود الأمن وحده بل يطال شريان الحياة نفسه فالقطاع الصحي منهار و المستشفيات مغلقة أو تعمل بأدوات بدائية والأطباء يواجهون الموت أو الهجرة و المنازل التي غادرها أصحابها تحولت إلى أطلال منهوبة بينما أعادت مجموعات “تسعة طويلة” إنتاج نفسها كأذرع تخريب وخطف صنعتها أجهزة المخابرات منذ البداية كأداة لإرهاب المجتمع.
الأخطر أن استخدام الجيش في بعض المواقع للسلاح الكيميائي اضاف جُرحاً أخلاقياً وبيئياً وصحياً على المدينة ستبقى آثاره لعقود شاهدة على انهيار الضمير الوطني وسقوط منظومة القيم.
كل هذه الكوارث كان يمكن التخفيف منها لو قامت الأجهزة شبه الرسمية بدورها لكن الفساد الذي ينخر فيها جعلها عاجزة وبلا إرادة فالمؤسسات لم تعد وطنية بل تحولت إلى أدوات للنهب والمحسوبية تاركة المواطن في مواجهة المصير منفرداً.
وهكذا ضاعت الخرطوم بين بطش الحركة الإسلامية ومكر اللجان الشعبية والمقاومة الشعبية وبين فساد أجهزة الامن وفوضى السلاح ، لم تعد مدينة تستقبل أبناءها بل مدينة طردت مواطنيها قسراً لتظل عاجزة عن احتضانهم إلا حين يعاد تأسيسها على قيم جديدة للعدالة والحرية والإنسانية.


إرسال التعليق