المودودي الدود : انهيار ركائز الحاضنة الاجتماعية لدولة 56
المجتمعات في شمال وسط السودان التي شكّلت لعقود الحاضنة الاجتماعية لدولة ما بعد الاستعمار (دولة 56) فقدت اليوم أهم مصادر قوتها واستمراريتها ويمكن تلخيص ذلك في ثلاثة محاور رئيسية
1- تفكك التنظيمات السياسية
القوى السياسية التي كانت تمثل أداة الحاضنة في ضبط المجال العام وإنتاج الخطاب المبرر لاستمرار الامتيازات باتت عاجزة عن التأثير في مسار الأحداث أو صياغة خطاب سياسي متماسك. حتى الحركة الإسلامية التي كانت تمثل رأس الحربة لهذه الحاضنة استُنزفت قدراتها البشرية والتنظيمية واستهلكت خططها حتى أصبحت ضعيفة تتقاذفها الأحداث وتستغلها أطراف متعددة.
2- انهيار المؤسسة العسكرية لصالح القوى المنافسة
منذ اندلاع هذه الحرب، كانت الخطة المعلنة للحاضنة الاجتماعية لدولة 56 هي تفكيك القوى العسكرية المنافسة مثل قوات الدعم السريع والحركة الشعبية. لكن ما حدث هو العكس تمامًا إذ تعرضت القوات المسلحة لانهيار غير مسبوق فقدت خلاله أهم أسلحتها النوعية مثل الطيران والمدرعات والمدفعية كما خسر الجيش كفاءات بشرية عالية التدريب. وفي المقابل، تمكنت المليشيات القبلية وخاصة الحركات المسلحة في دارفور من تطوير قدراتها القتالية حتى باتت في بعض الجوانب أكثر كفاءة من الجيش نفسه فضلًا عن الفارق الكبير في القوة بين الدعم السريع والقوات المسلحة.
3- انحسار السيطرة على الموارد الاقتصادية
أحد دوافع الحرب كان الإصرار على الاحتفاظ بالمصادر المالية وتوظيفها لخدمة شبكات النفوذ التقليدية بما في ذلك الذهب والنفط والزراعة والخدمات الأخرى مثل المطارات والضرائب والجمارك. لكن هذه البنى المالية إما تم تدميرها أو فقدت السيطرة عليها لتخرج بذلك من يد الحاضنة التاريخية.
النتيجة نهاية دولة الغولة وبداية مرحلة جديدة
من خلال هذه المؤشرات يمكن القول إن ما نسميه بالدولة الغولة قد أصبح جزءًا من الماضي. نحن الآن أمام ولادة الجمهورية الثانية التي ستنشأ خارج سيطرة المجتمعات في شمال وسط السودان ولأول مرة منذ دخول المستعمر الإنجليزي إلى أم درمان تفقد هذه الحاضنة مركزيتها التاريخية في إدارة الدولة.
إرسال التعليق