حذيفة أبو نوبة يكتب:منطقة دليج: من مسرح المجازر والإبادة، إلى فضاء الحرية - صوت الوحدة

حذيفة أبو نوبة يكتب:منطقة دليج: من مسرح المجازر والإبادة، إلى فضاء الحرية

كنتُ قد شهدتُّ التظاهرة الشعبية المهيبة، التي نظمها أهالي منطقة دليج بوسط دارفور، يوم الثلاثاء الخامس من أغسطس، دعماً لحكومة السلام الانتقالية، حيث خرجت الحشود والجماهير كالسيول بصورة تلقائية، لترسل رسائلها إلى مركز السلطة التاريخي، تلك الرسائل التي تقول فيها، بأننا نهضنا من جديد، من بين رماد نيران الإبادة الجماعية، وحرائق براميل الانتنوف المتفجرة، نهضنا لا للتأكيد بأننا أحياء وفاعلين، بل لأننا نمثل رأس رمح التغيير، الذي يهدف إلى هدم دولة الفصل العنصري. في دليج، كانت مأساة الماضي وآلامه، قوة دفع حاسمة، للانخراط في مسار التغيير، والتحليق في فضاء الحرية.

ومن المفارقات الموجعة والمبكية، أن قرية دليج التي نهضت اليوم، حاملة لواء التغيير، كانت مسرحاً لأكبر وأبشع المجازر، التي ارتكبها نظام الحركة الاسلامية، من جرائم الحرب، والإبادة الجماعية ضد السكان المحليين. فمع اندلاع الثورة المسلحة في دارفور، قرر النظام الحاكم في الخرطوم، معاقبة السكان المدنيين، بوصفهم حواضن للتمرد “الثورة المسلحة”، وفي إحدى الصباحات الهادئة في مارس 2004، نهض أهالي منطقة دليج والقرى المجاورة لها “زاري، ترقو، كاسكيلدو، وماسا.. إلخ” على ضجيج الانتنوف وبراميلها الحارقة، وأصوات المدافع والاسلحة الثقيلة، مصحوبة بصراخ الجنود المؤدلجين، فكانت المجزرة الأبشع على الاطلاق، التي استهدفت الشيوخ والشباب والنساء والأطفال، بتوجيهات مباشرة من عمر البشير وأركان حربه.

هزت مجزرة دليج الضمير الانساني العالمي، فتحركت محكمة الجنايات الدولية، وأصدرت مذكرات توقيف بحق العصابة التي ارتكبت هذه الجريمة، وعلى رأسها، رأس النظام ووزير دفاعه ووزير داخليته، وعلي كوشيب وآخرين، بتهم ارتكاب جرائم حرب، والإبادة الجماعية في لاهاي. اليوم، وبعد أكثر من ٢٠ عاماً، وفي مشهد تراجيدي مهيب، خرج أطفال ونساء وشباب وشيوخ المنطقة، رافعين صور قائدة التأسيس، ومحتفلين بدحر عصابات الجيش المجرمة وحلفاءه من كامل الاقليم، وتشكيل حكومة السلام الانتقالية، في رسالة مفادها أن إرادة الشعوب لا تُقهر ولا تموت، لكنها تنمو وتزهر ولو بعد حين.

إن الدعم غير المحدود، الذي منحته شعوب الهامش لحكومة السلام الانتقالية، هو الرصيد الحقيقي الذي يجب الاستثمار فيه، والبناء عليه، وإن رد الاعتبار لضحايا حروب الدولة القديمة، ينبغي أن يكون من أولويات حكومة التأسيس، فالتدافع العفوي للمواطنين دعماً وتأييداً لحكومة السلام، يؤكد أن الشرعية الحقيقية تصنعها الإرادة الشعبية للجماهير، سيما تلك الخارجة من قلب المأساة، فهي المصدر الحقيقي والمباشر للسلطة. فما رأيناه من مشاهد مبهرة في دليج، تؤكد أن دارفور لم تعد مجرد مساحة آمنة متحررة من سيطرة النخب، بل أصبحت عنواناً للاستقرار والسلام والتعافي الاجتماعي.

إرسال التعليق

لقد فاتك