علي حافظ : قوى التأسيس وتبني خطاب الوحدة (اللاإرادية) : هل هي مخاف من المجتمع الدولي، ام مطامع سلطوية؟
مذ بدية هذه الحرب، لم يعد الحديث عن السودان كدولة واحدة ممكناً إلا بوصفه مجازاً سياسياً فارغاً الواقع على الأرض يؤكد أن السودان لم يكن موحداً وقد انقسم فعليا ليس بفعل السلاح وحده بل بانهيار العقد الاجتماعي وتحول الهوية السياسية إلى كتل جهوية متباعدة بل متناقضة
ورغم ذلك، يصر دعاة “التأسيس” على البقاء في المنطقة الرمادية ..تخاطب المجيع بـ لغة وطنيه عامه لا ترضي أحد وتحاول التوقيق بين وحدة الدولة والانفصال عنها لكنها في الحقيقة تُعيد إنتاج المركزية القديمة وتؤسس لهيمنة جديدة تختلف فقط في الجهة التي تهيمن، بحيث نأخذ في الإعتبار ان الهيمنة الجديدة يمكن ان تكون مقصودة، ولم دون قصد.
بدل أن تملك الشجاعة وتعلن موقفاً واضحاً، يقر بالانفصال القائم فعلاً ويمنح الحق الكامل لكل مجموعة بشرية في اختيار مصيرها، تتمسك بخطاب توفيقي لا يقنع حتى أتباعها.. الأجدر كان أن تقول صراحة نحن نؤسس لدولة جديدةمنفصلة وعلى من يريد البقاء في دولة المركز أن يبقى ومن شاء الانضمام إلينا فله ذلك.
الهمينة الجديدة
ما لم يقال بصراحة هو أن الدولة المكرزية القيدمة كانت تحكم باسم الملك والآن تسعى الدولة الجديدة لأن تحكم باسم الغرب وإذا انتصرت قوات “التأسيس” عسكرياً على الجيش الإسلامي فإن السيطرة ستنتقل من “أبناء البحر والنهر” إلى “أبناء الغرب والرحّل”، دون أي مرجعة حقيقية لمفهوم السلطة نفسه ودون تفكيك لمنظومة الامتيازات… بل مع إعادة توزيعها فقط على وجوه جديدة.
وهكذا سنجد أنفسنا في دكتاتورية جديدة ترتدي ثوب الثورة ولكنها تحمل جوهر الاستعلاء القديم…
هل يكمن لقوات التأسيس أن تسيطر على السودان كله عسكريا؟
نعم من حيث القدرة العسكرية بإمكانها السيطرة على كل البقاع السودانية، من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى أقصى الجنوب.. ولكن.. هل يمكن أن تكون هذه السيطرة (مقبولة اجتماعيًا)؟ هنا تكمن العقدة.. المجتمعات النهرية تحمل في وعيها وذاكرتها التاريخية رفضاً عميقاً لفكرة الخضوع للآخر (الخضوع للآخر السوداني طبعا) وتقر على مركزية الذات و”الاستحقاق الطبيعي” للقيادة ظناً منهم انهم أحق بالحكم لأنهم هم الفئة الأكثر حظاً في التعليم والأكفا لإدارة الدولة… حتى في الجزيرة حيث يفترض وجود حس وطني أعلى نسبة لوجود مكونات من الغرب تستوطن هناك، أدت انتهاكات الشفشافة في بداية الحرب إلى شرخ نفسي عميق جعل فكرة السلطة القادمة من الغرب مرادف للخطر والانفلات.
الانفصال السياسي هو الحل الواقعي:
ولمن يسأل ماذا عن الغرّابة الموجودين في الشمال أو لشماليين المقيمن في مناطق سيطرة التأسيس؟
الإجابة بسيطة:
الانفصال الذي ندعو اليه سياسي لا عرقي ولا مناطقي.. من أراد أن يعيش في الدولة الجديدة فليختارها بإرادته، ومن أراد أن يبقى في دولة المركزية فله ذلك.. أما الحدود الجغرافية، فهي واضحة إقليم كردفان، دارفور، والنيل الأزرق نسبة لوجود مجتمع قبائل رفاعة وتدافعهم الكبير في سبيل التغيير..هذه الأقاليم دفعت الثمن الأغلى، وقدمت أخلص الجنود وأشجع القادة في سبيل التحرر من مركزية الاستبداد.
هل الدستور التاسيس يكفي لتجاوز الفروقات؟
البعض يرى أن اعتماد دستور تأسيسي عادل سيعيد التوحيد السودانيين أو يذوب الفروقات بينهم، هذا وهم خطير، الفروقات في السودان ليست دستورية فقط.. بل نفسية وتاريخية، ترتبط بعقود طويلة من التمييز والاستعلاء والهيمنة والاستبعاد. والمشكلة ليست في (من يحكم) بل في ثقافة الحكم ذاتها.
وحتى لو سيطرت قوى التسيس على مناطق الشمال وأرادت فرض نظامها بقوة القانون، فإن ذلك قد يؤدي إلى انتهاكات جديدة واستفزازات مضادة كما حدث في الجزيرة وتكريس شعور بأن (لغازي الغرابي يرد ان يقتص منكم)، مما يعيد إنتاج الدولة القمعية بوجه جديد.
الحلو اخد أكتر مما يستحق:
قوات عبدالعزيز الحلو مثال واضح على هذا الخلل في موازين التقدير…فبالرغم من ضعفها العسكري النسبي فقد حصلت على ما يقارب 30% من الحصة السياسية حسب النص في ميثاق تاسيس وهو رقم لا يعكس وزنها الميداني. ..وقد كان الأجدر أن تُمنح هذه النسبة لأولئك الذين خاضوا الحرب منذ يومها الأول..وقدموا التضحيات الفعليةلا الرمزية.
الانفصال واقع لا مفر منه ومن الحكمة أن نديره ونتبناه بوضوح لا بعاطفة…والدولة الجديدة لن تنجح إن هي استنخست منطق التسلط أو اعتقدات أن العدالة تتحقق فقط بتبادل مواقع السيطرة… من لا يجرؤ على قول الحقيقة الآن سيكون شريك في دكتاتورية الغد.
إرسال التعليق