الشعر والنقد واللغة الإشكالية والتحديات : صوت الوحدة تحاور الشاعر و الأديب محمد عبد القادر
مرحبا بك الشاعر و الأديب محمد عبدالقادر؟
مرحب بك الشاعر والناقد محمد الحبيب ومرحبا بالقرّاء والمهتمين بالأدب عموما والشعر على وجه الخصوص.
في البداية أعطنا نبذة عنك؟.
محمد عبدالقادر وُلدتُ في الخرطوم في مدينة جبل أولياء في حي شبعي يسمى العباسية ، درست الأساس في مدرسة الشهيد مصباح ثم البجا عبدالهادي الثانوية ثمّ التحقت بكلية الآداب بجامعة النيلين.
متى بدأ محمد عبدالقادر كتابة الشعر وهل كان هناك دافع عاطفي لذلك أم أن الأمر أتى من تجربة ذهنية؟.
حاولت كتابة الشعر في مرحلة ما من الجامعة وكما تعلم ويعلم الجميع فإنّ البداية في كتابة الشعر تحتاج إلى عصف ذهني ومعرفة بقواعد اللغة والعروض وأساليب الشعراء وذلك ما لم يتوفر لي إلا في مرحلة متأخرة ، وما أزال في طور التجريب وتلمس طريق كتابة الشعر، أما بالنسبة للشقّ الآخر من السوأل، فإنّ الدافع الأساسي قد كان عاطفيّا ولكن العاطفة وحدها لا تكفي لتكملة التجربة الإبداعية، ويمكننا أن نقول إنّ الدوافع كانت عاطفية وذهنية في آن واحد.
ثمة تحديات اليوم تواجه الشعراء لا سيما أن القصيدة اليوم قلقة جدا وفي رحلة دائمة عن المعنى، كيف يساير الشاعر هذا الإيقاع السريع للقصيدة العربية اليوم؟.
نعم فالشعر انعكاس ومرآة للواقع وأحيانا انعكاس لتجربة الشاعر وتعاطيه مع الواقع ، وبالتغيرات الواقعية الكبيرة من حولنا أصبح لزاماً على الشاعر مجاراة الواقع بطريقة لا تنقص من القيمة الفنية والإبداعية لدى الشاعر ، وذلك من وجهة نظري يكون بالارتكاز على أرضية ثابتة من القيم الفنية والجمالية المتعارف عليها قديما وحديثا عند الأدباء عموما والشعراء بصفة خاصة ، ولا يمكن للشاعر مجافاة الذوق الأدبي وأرضاء الذوق العام أو العكس لذا فالشاعر اليوم أمام تحدي تكبير للتوفيق بين الذوقين الأدبي والعام.
هل للشعر اليوم دور فعال في المجتمع، إن كانت الإجابة لا، ما هي أسباب الغياب ؟.
ليس للشعر الفصيح والشاعر اليوم دور فعّال في المجتمع لأنّ المجتمع اليوم مشغول بجوانب أخرى وغير مهتم بالشعر والثقافة وغير مهتم بالقراءة عموما وربّما ينظر المجتمع اليوم للشاعر والمثقف نظرة ازدراء وأنّه يضيع وقته في شيء لا فائدة منه ، المغني مثلا له دور فعّال في المجتمع اليوم أكثر من الشاعر ، وسامحني على اللفظ ” فالقونة” اليوم لها تأثير أكبر بكثير من تأثير الشاعر.
ذلك بالنسبة للشعر الفصيح أما الشعبي أو العامي أيّا كانت التسمية فله دور أكثر فاعلية في المجتمع ، وفي ظلّ الحرب التي تدور رحاها في البلاد اليوم والتي أهلكت الحرث والنسل أصبح الشعر العامي أداة لبث الكراهية والعنصرية وكير ينفع نارَ الحرب بدل من أن يكون الشعر رسالة محبة بين الناس كما كان قديما.
هل ننزل القصيدة من علوها البعيد أم نرفع القارئ لها وكيف يتم ذلك؟.
يمكننا الوقوف في مرحلة وسطى بأن نزل القصيدة بعض الشيء كي يتكمنَ القارئ اليوم من تذوقها وفهم ما يريد الشاعر قوله ونرفع ثقافة القارئ شيئا فشيئا ، وكما تعلم فإن الشعر اليوم يكنفه الكثير من الغموض والرمزية وتوظيف التراث بصورة كبيرة ولا يمكنك فهم قصيدة حداثية ما لم تكن على درجة عالية من الثقافة، وذلك ما خلق فجوة بين القارئ والقصيدة الحداثية.
لنأخذ على سبيل المثال قول الشاعر محمد عبدالبارئ:
سفرٌ وجوديٌ،
و(موسى)
طاعنٌ
في البحرِ
و(الخضرُ) البعيدُ يلوّحُ
سفرٌ شفاهيٌ،
تقولُ نبوءةٌ
(للنفرّي): إذا كتبتَ ستشطحُ
في بيتين فقط توظيف للرموز التراثية بطريقة عجيبة فإذا لم تكن على علم بالخضر وبالإمام النفريّ فلن تفهم ما يرمي الشاعر إلى قوله.
وفي قوله أيضا:
يقول لي عمرُ الخيّامُ في ثقةٍ:بغيرِ خمرتِكَ السوداءِ لا تثقِ!
تقولُ لي جبةُ الحلاجِ:يا ولدي رأى المحبُ جلالَ اللهِ حينَ شقي
أيضا في هذين البيتين استداعاء لعمر الخيام و أبي منصور الحلاج ، فإن لم تكن تعرف الخيّام والحلّاح افرجع وابحث عنهما وتعال لتقرأ عبدالبارئ.
وذلك غيضٌ من فيض.
القصيدة المعاصرة في برج عاجي أو بمعنى آخر هي قصيدة سجينة ؟
إن كان السوأل يطلب الأثبات أو النفي ، فعم هي في برج عالي محبوسة أو سجينة-كما تفضلت- بين طبقة محدودة جدا بين النقاد و بعض المثقفين .
و ذلك ما ينطلق منه أغلب التقليدين لمهاجمة القصيدة المعاصرة فيقولون لك: ليس بها أي معنى وهي خاوية على عروشها ،مجرد ألفاظ رنّانة لا تحمل شيئا بين تراكيبها ، بينما يمكن لأي ناقد او شخص يمتلك أدوات النقد الحديث أن يحلل القصيدة ويخرج منها الكثير.
أمّا إن كان السوأل لماذا هي في برج علي و سجينة ففي الإجابة على السؤال السابق الردُّ.
نرى نتاجا شعريا كيثفا في السودان ولكن مع ذلك لا نرى أقلاما نقدية كثيرة تقيم وتؤرخ هذا الشعر، يا ترى ما السبب وراء ذلك؟.
لعدم الاهتمام بالشعر بين العوام وحتى المتخصصين
وللإعلام دور كبير في نشر الثقافة بين الناس ولكن الإعلام في السودان مشغول بتوافه الأمور وسواقط القوم.
ربّما كان لنا أرث شعريّ ونقديّ جيد فيما مضى أمّا الآن فتكاد تكون الحصلية صفر رغم امتلاك العديد من النقاد السودانين لآليات النقد القديمة والحديثة ولكن لا نعرف السبب في عدم الكتابة وإثراء المكتبة السودانية والعربية بالكتب النقدية.
هل هناك معركة حقيقية بين التراث والحداثة أم أن الأمر مجرد وهم ناتج عن جهل إحداهما بالأخرى، بمعنى ألا يمكن أن يكون التراث قاعدة انطلاق للحداثة؟.
ليس هناك معركة كما يروّج البعض ، اللهم إلا بعض المتطرفين من الحداثيين أمثال أدونيس الذي يرى التراث عبئًا ثقيلًا يجب التخلص منه لكي نمضيَ قُدما.
كما أن بعض التقليديين المتطرفين أيضًا يرون القصيدة المعاصرة ليس بشعر أصلا وشعر التفعيلة مجرد عبث والقصيدة النثرية مجرد هراء ، وينبغي علينا أن نكتب على منوال ” قفا نبكِ” أو “أ من أم أوفى” أو ” لخولةً أطلالٌ” أي علينا أن نكتب كما كان يكتب امرؤ القيس وطرفه بن العبد واقرانهم من فخول الشعراء ، أو على أقلّ تقدير أن نكتب كما كان كان يكتب جرير والفرزدق و المتبي وأبو تمام و ابن الرومي وغيرهم من القدماء، وإن كتبت كما يكتب الفيتوري أو أو السيّاب وأمل دنقل فأنت لا تعدو كونك شخص مولع بتقليد الغرب. وهذه أحكام نمطية ليست من النقد والتقويم في شيء ولا تخدم الشعر بل تضرّ به أيّما ضرر.
الأمر برمته أن الحداثة لا فكاك لها عن التراث، بل هي أكثر توضيفا للتراث من التقليدين ، كما رأينا عند عبدالبارئ قبل قليل.
عمل محمد مدرسا للغة العربية، لماذا يخرج الطلاب من الثانوي وحتى الجامعات وأغلبهم لا يتقنون قوانين اللغة العربية وعلاقتهم بالأدب العربي ضعيفة جدا فهل هناك خلل منهجي ؟.
نعم فالأمر متعلق بالمناهج السودانية عموما فهي تحتاج إلى أعادة صياغة، كما أنّنا نحتاج للارتقاء بالمستوى المعرفي للأستاذ نفسه ، فكلية التربية تكون على هامش التخصصات ونسب القبول فيها متدنية جدا.
من خلال عملي مدرس لمادة اللغة العربية في المدارس الثانوية لاحظتُ أن الطلاب ينبهرون بالأستاذ المتمكن في تخصصه ويعتبرونه طفرة، رغم أن ذلك ينبغي أن يكون هو الشيء الطبيعي .
هناك من يرى أن اللغة الفصيحة أصبحت غير مهمة، وأنها صارت معزولة حبيسة الكتب، ما رأيك في ذلك؟.
ذلك رأي لا يعتدّ به ؛ فاللغة العربية اليوم هي اللغة الرسمية للعديد من الدول وهي لغة الإعلام العربي الآن ولغة المسرح ولغة الشعر و لغة الإبداع عموما والأهم من ذلك أنها لغة القراءن الكريم فهي باقية ما بقي.
قديمًا اتّهم بعضُ المستشرقين العربيّةَ بأنها لغة القلّة المثقفة وأنها لغة رجعية لا تلصح للعلوم ودعوا لاستبدالها باللهجات العربية المعاصرة ، وبتأكيد فإن لهذه الاتّهامات مآرب أخرى.
وقد دُحضتْ هذه الاتهاماتُ في وقتها ، وكتب الشاعر حافظ إبراهيم قصيدته المسماة (اللغة العربية)
رداً على هؤلاء.
هل هناك إمكانية لإعادة الفصحى للمجتمع العربي؟
واقعيًا لا يمكن أن تعود الفصحى لغة العوام لأن الواقع تغير بدرجة كبيرة ، بل إن الهوة تتسع بين العامية والفصحى يوما بعض يوم، بيد أننا يمكننا أن جعلها لغة الإعلام الرسمية ولغة المحاكم وغيرها من مؤسسات الدولة، ذلك يحافظ عليها ويجعل الناس قريبين من الفصحى ولو نسبيًّا.
يحاوره محمد الحبيب يونس



2 comments